مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» .. ويعلم - من طبيعة الواقع - من هم المؤمنون الذين لهم الذكرى، ومن هم غير المؤمنين الذين لهم الإنذار.
ويعود هذا القرآن عنده كتابا حيا يتنزل اللحظة، في مواجهة واقع يجاهده هو بهذا القرآن جهادا كبيرا ..
والبشرية اليوم في موقف كهذا الذي كانت فيه يوم جاءها محمد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بهذا الكتاب، مأمورا من ربه أن ينذر به ويذكر وألا يكون في صدره حرج منه، وهو يواجه الجاهلية، ويستهدف تغييرها من الجذور والأعماق ..
لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين، وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر، والسطوح والأعماق! انتكست البشرية في تصوراتها الاعتقادية ابتداء - حتى الذين كان آباؤهم وأجدادهم من المؤمنين بهذا الدين، المسلمين للّه المخلصين له الدين - فإن صورة العقيدة قد مسخت في تصورهم ومفهومهم لها في الأعماق ..
لقد جاء هذا الدين ليغير وجه العالم، وليقيم عالما آخر، يقر فيه سلطان اللّه وحده، ويبطل سلطان الطواغيت.
عالما يعبد فيه اللّه وحده - بمعني «العبادة» الشامل (?) - ولا يعبد معه أحد من العبيد. عالما يخرج اللّه فيه - من شاء - من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده. عالما يولد فيه «الإنسان» الحر الكريم النظيف .. المتحرر من شهوته وهواه، تحرره من العبودية لغير اللّه.
جاء هذا الدين ليقيم قاعدة: «أشهد أن لا إله إلا اللّه» التي جاء بها كل نبي إلى قومه على مدار التاريخ البشري - كما تقرر هذه السورة وغيرها من سور القرآن الكريم - وشهادة أن لا إله إلا اللّه ليس لها مدلول إلا أن تكون الحاكمية العليا للّه في حياة البشر، كما أن له الحاكمية العليا في نظام الكون سواء. فهو المتحكم في الكون والعباد بقضائه وقدره، وهو