به اللّه ويجري به قدره. وقدر اللّه غيب لا يعلمه إلا هو. وإن هنالك - مع هذا وذلك - سننا للكون ثابتة، يملك الإنسان أن يتعرف إليها، ويستعين بها في خلافة الأرض، مع ترك الباب مفتوحا لقدر اللّه النافذ وغيب اللّه المجهول .. وهذا قوام الأمر كله .. «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ».

ومن علم اللّه الشامل بمفاتح الغيب، وبما يجري في جنبات الكون، ينتقل السياق إلى مجال من مجالات هذا العلم الشامل، في ذوات البشر، ومجال كذلك من مجالات الهيمنة الإلهية، بعد العلم المحيط: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ، وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ، ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..

بضع كلمات أخرى، كالتي رسمت آفاق الغيب وآماده وأغواره، وأشارت إلى مدى العلم الإلهي وشموله في الآية السابقة .. بضع كلمات أخرى تضم حياة البشرية كلها في قبضة اللّه - سبحانه - وفي علمه وقدره وتدبيره .. صحوهم ومنامهم .. موتهم وبعثهم. حشرهم وحسابهم .. ولكن على «طريقة القرآن» (?) المعجزة في الإحياء والتشخيص، وفي لمس المشاعر واستجاشتها، مع كل صورة وكل مشهد وكل حركة يرسمها تعبيره العجيب.

«وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ» .. فهي الوفاة إذن حين يأخذهم النعاس هي الوفاة في صورة من صورها بما يعتري الحواس من غفلة، وما يعتري الحس من سهوة، وما يعتري العقل من سكون، وما يعتري الوعي من سبات - أي انقطاع - وهو السر الذي لا يعلم البشر كيف يحدث وإن عرفوا ظواهره وآثاره وهو «الغيب» في صورة من صوره الكثيرة المحيطة بالإنسان .. وهؤلاء هم البشر مجردين من كل حول وطول - حتى من الوعي - ها هم أولاء في سبات وانقطاع عن الحياة. ها هم أولاء في قبضة اللّه - كما هم دائما في الحقيقة - لا يردهم إلى الصحو والحياة الكاملة إلا إرادة اللّه .. فما أضعف البشر في قبضة اللّه! «وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ» ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015