اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَطْيَبِ الْأَطْعِمَةِ وَأَنْفَقِهَا وَأَوْفَقِهَا لِلْغِذَاءِ الصَّالِحِ: الْبَقْلَ وَالْقِثَّاءَ وَالْفُومَ وَالْعَدَسَ وَالْبَصَلَ، وَمَنْ رَضِيَ بِاسْتِبْدَالِ هَذِهِ الْأَغْذِيَةِ عِوَضًا عَنِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى لَمْ يُسْتَكْثَرْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ، وَالضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَالْغَضَبَ بِالرِّضَى، وَالْعُقُوبَةَ بِالرَّحْمَةِ، وَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ وَلَا كِتَابَهُ، وَلَا رَسُولَهُ، وَلَا نَفْسَهُ.
وَأَمَّا نَقْضُهُمْ مِيثَاقَهُمْ وَتَبْدِيلُهُمْ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ، وَتَحْرِيفُهُمُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَأَكْلُهُمُ الرِّبَا، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ، وَأَكْلُهُمُ الرِّشَا، وَاعْتِدَاؤُهُمْ فِي السَّبْتِ، حَتَّى مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَقَتْلُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَكْذِيبُهُمْ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ، وَرَمْيُهُمْ لَهُ وَلِأُمِّهِ بِالْعَظَائِمِ، وَحِرْصُهُمْ عَلَى قَتْلِهِ، وَتَفَرُّدُهُمْ دُونَ الْأُمَمِ بِالْخُبْثِ وَالْبَهْتِ، وَشِدَّةُ مُكَالَبَتِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهَا، وَقَسْوَةُ قُلُوبِهِمْ وَحَسَدُهُمْ، وَكَثْرَةُ سِحْرِهِمْ فَإِلَيْهِ النِّهَايَةُ.
وَهَذَا وَأَضْعَافُهُ مِنَ الْجَهْلِ وَفَسَادِ الْعَقْلِ قَلِيلٌ عَلَى مَنْ كَذَّبَ رُسُلَ اللَّهِ، وَبَاءَ بِمُعَادَاتِهِ وَمُعَادَاةِ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَأَهْلِ وِلَايَتِهِ.
فَأَيُّ شَيْءٍ عَرَفَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ وَرُسُلَهُ؟ وَأَيُّ حَقِيقَةٍ أَدْرَكَ مَنْ فَاتَتْهُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ؟ وَأَيُّ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ حَصَلَ لِمَنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَالْعَمَلُ بِمَرْضَاتِهِ وَمَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ وَمَا لَهُ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
فَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْبَغْيِ إِلَّا مَنْ أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ وَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ