وَإِحْرَاقِهِ وَاسْتِخْرَاجِ خَبَثِهِ، وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا، فَلَمْ يَصُوغُوهُ عَلَى تِمْثَالِ مَلَكٍ كَرِيمٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلَا عَلَى تِمْثَالِ جَوْهَرٍ عُلْوِيٍّ لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي، بَلْ عَلَى تِمْثَالِ حَيَوَانٍ أَرْضِيٍّ، وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا لَمْ يَصُوغُوهُ عَلَى مِثَالِ أَشْرَفِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَقْوَاهَا وَأَشَدِّهَا امْتِنَاعًا مِنَ الضَّيْمِ كَالْأَسَدِ وَالْفِيلِ وَنَحْوِهِمَا، بَلْ صَاغُوهُ عَلَى تِمْثَالِ أَبْلَدِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَقْبَلِهِ لِلضَّيْمِ وَالذُّلِّ بِحَيْثُ تُحْرُثُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، وَيُسْقَى عَلَيْهِ بِالسَّوَاقِي وَالدَّوَالِيبِ، وَلَا لَهُ قُوَّةٌ يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ، فَأَيُّ مَعْرِفَةٍ لِهَؤُلَاءِ بِمَعْبُودِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَبِحَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ؟
وَحَقِيقٌ بِمَنْ سَأَلَ نَبِيَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ إِلَهًا فَيَعْبُدَ الْأَصْنَامَ إِلَهًا مَجْعُولًا بَعْدَ مَا شَاهَدَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ أَنْ لَا يَعْرِفَ حَقِيقَةَ الْإِلَهِ وَلَا أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتَهُ وَدِينَهُ، وَلَا يَعْرِفَ حَقِيقَةَ الْمَخْلُوقِ وَحَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ، وَلَوْ عَرَفَ هَؤُلَاءِ مَعْبُودَهُمْ وَرَسُولَهُ لَمَا قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، وَلَا قَالُوا لَهُ: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا.
وَلَا قَتَلُوا نَفُسًا، وَطَرَحُوا الْمَقْتُولَ عَلَى أَبْوَابِ الْبَرَاءِ مِنْ قَتْلِهِ وَنَبِيُّهُمْ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ، وَخَبَرُ السَّمَاءِ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَكَأَنَّهُمْ جَوَّزُوا أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى اللَّهِ كَمَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟!