الِاعْتِرَافُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَتَفَاصِيلِهِمَا، وَتَفَاصِيلِ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ مَعَ إِنْكَارِ النُّبُوَّاتِ، بَلْ وَالْحَقَائِقُ الْمُشَاهَدَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهَا، لَمْ يُثْبِتُوهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا أَثْبَتُوا حَقِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا ثَمَرَةُ إِنْكَارِهِمُ النُّبُوَّاتِ.
فَسَلَبَهُمُ اللَّهُ إِدْرَاكَ الْحَقَائِقِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّ عُقُولَهُمْ كَافِيَةٌ فِي إِدْرَاكِهَا، فَلَمْ يُدْرِكُوا مِنْهَا شَيْئًا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، حَتَّى وَلَا الْمَاءَ وَلَا الْهَوَاءَ وَلَا الشَّمْسَ وَلَا غَيْرَهَا، فَمَنْ تَأَمَّلَ مَذَاهِبَهُمْ فِيهَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوهَا، وَإِنْ عَرَفُوا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَأَضَلُّ وَأَضَلُّ، وَأَمَّا عُبَّادُ الْأَصْنَامِ فَلَا عَرَفُوا الْخَالِقَ، وَلَا عَرَفُوا حَقِيقَةَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا مَيَّزُوا بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَبَيْنَ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ، وَبَيْنَ أَحْسَنِ الْحَسَنِ وَأَقْبَحِ الْقَبِيحِ، وَلَا عَرَفُوا كَمَالَ النَّفْسِ وَمَا تَسْعَدُ بِهِ، وَنَقْصَهَا وَمَا تَشْقَى بِهِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَقَدْ عَرَفْتَ مَا الَّذِي أَدْرَكُوهُ مِنْ مَعْبُودِهِمْ وَمَا وَصَفُوهُ بِهِ، وَمَا الَّذِي قَالُوهُ فِي نَبِيِّهِمْ، وَكَيْفَ لَمْ يُدْرِكُوا حَقِيقَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَوَصَفُوا اللَّهَ بِمَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَوَصَفُوا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا عَرَفُوا اللَّهَ وَلَا رَسُولَهُ، وَالْمَعَادُ الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ لَمْ يُدْرِكُوا حَقِيقَتَهُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ حَقِيقَةٍ، إِذْ لَا أَكْلَ عِنْدِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَا شُرْبَ وَلَا زَوْجَةَ هُنَاكَ، وَلَا حُورَ عِينٍ يَلَذُّ بِهِنَّ الرِّجَالُ كَلَذَّاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَا عَرَفُوا حَقِيقَةَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا تَسْعَدُ بِهِ وَتَشْقَى، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْرِفَ حَقِيقَةَ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي أَلْبَتَّةَ.
فَلَا لِأَنْفُسِهِمْ عَرَفُوا وَلَا لِفَاطِرِهَا وَبَارِيهَا، وَلَا لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا فِي فَلَاحِهَا وَسَعَادَتِهَا، وَلَا لِلْمَوْجُودَاتِ وَأَنَّهَا جَمِيعَهَا فَقِيرَةٌ مَرْبُوبَةٌ مَصْنُوعَةٌ نَاطِقُهَا آدَمِيُّهَا وَجِنُّهَا