وَقَالُوا: قَتَلْنَاهُ وَصَلَبْنَاهُ وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا فِيهِ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ، فَإِنْ صَدَّقْتُمُوهُمْ فِي الصَّلْبِ فَصَدِّقُوهُمْ فِي سَائِرٍ مَا ذَكَرُوهُ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُوهُمْ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ فَمَا الْمُوجِبُ لِتَصْدِيقِهِمْ فِي الصَّلْبِ وَتَكْذِيبِهِمْ، وَمَا صَلَبُوهُ بَلْ صَانَهُ اللَّهُ وَحَمَاهُ وَحَفِظَهُ، وَكَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ وَأَوْجَهَ عِنْدِهِ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَهُ بِمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ، قَاتَلَكُمُ اللَّهُ، وَالْيَهُودُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ؟

وَأَمَّا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ أَنْتُمْ، فَلَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ أَشَدَّ اخْتِلَافًا فِي مَعْبُودِهَا وَنَبِيِّهَا وَدِينِهَا مِنْكُمْ، فَلَوْ سَأَلْتَ الرَّجُلَ وَامْرَأَتَهُ وَابْنَتَهُ وَأَبَاهُ وَأُمَّهُ عَنْ دِينِهِمْ لَأَجَابَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ جَوَابِ الْآخَرِ.

وَلَوِ اجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الدِّينَ لَتَفَرَّقُوا عَنْ أَحَدَ عَشَرَ مَذْهَبًا. مَعَ اتِّفَاقِ فِرَقِهِمُ الْمَشْهُورَةِ الْيَوْمَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّثْلِيثِ وَعِبَادَةِ الصَّلِيبِ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ لَيْسَ بِعَبْدٍ صَالِحٍ، وَلَا نَبِيٍّ وَلَا رَسُولٍ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ وَأَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمُ الْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ، وَأَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهًا هُوَ أَبٌ وَالِدٌ لَمْ يَزَلْ، وَأَنَّ ابْنَهُ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَتَجَسَّمَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، وَمِنْ مَرْيَمَ، وَصَارَ هُوَ وَابْنُهَا النَّاسُوتِيُّ إِلَهًا وَاحِدًا وَمَسِيحًا وَاحِدًا وَخَالِقًا وَاحِدًا وَرَازِقًا، وَحَبِلَتْ بِهِ مَرْيَمُ وَوَلَدَتْهُ، وَأُخِذَ وَصُلِبَ وَأُلِمَ وَمَاتَ وَدُفِنَ، وَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَلَى يَمِينِ أَبِيهِ.

وَقَالُوا: وَالَّذِي وَلَدْتُهُ مَرْيَمُ وَعَايَنَهُ النَّاسُ وَكَانَ بَيْنَهُمْ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ ابْنُ اللَّهِ وَهُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ.

فَالْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، هُوَ الَّذِي حَبِلَتْ بِهِ مَرْيَمُ، وَأَقَامَ هُنَاكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَهُوَ الَّذِي وُلِدَ وَرَضَعَ وَفُطِمَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ وَتَغَوَّطَ وَأُخِذَ وَصُلِبَ وَشُدَّ بِالْحِبَالِ وَسُمِّرَتْ يَدَاهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015