وَقَدْ شَهِدَ لَهُمُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
كَمَا شَهِدَ لَهُمْ رَبُّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَعُلَمَاؤُهُمْ وَتَلَامِيذُهُمُ الَّذِينَ مَلَئُوا الْأَرْضَ عِلْمًا، فَعُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ تَلَامِيذُهُمْ وَتَلَامِيذُ تَلَامِيذِهِمْ وَهَلُمَّ جَرَّا.
وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ طَبَقَ عِلْمُهُمُ الْأَرْضَ شَرْقًا وَغَرْبًا، تَلَامِيذُ تَلَامِيذِهِمْ وَخِيَارُ مَا عِنْدَهُمْ مَا كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَخِيَارُ الْفِقْهِ مَا كَانَ مِنْهُمْ، وَأَوْضَحُ التَّفْسِيرِ مَا أُخِذَ عَنْهُمْ.
وَأَمَّا كَلَامُهُمْ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَفِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَرَفَ مَا قَالَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ عَرَفَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ مُتَرْجَمٌ عَنْهُ، وَكُلُّ عَلَمٍ نَافِعٍ فِي الْأُمَّةِ فَهُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمَأْخُوذٌ عَنْهُمْ، وَهَؤُلَاءِ تَلَامِيذُهُمْ وَتَلَامِيذُ تَلَامِيذِهِمْ قَدْ طَبَقَتْ تَصَانِيفِهِمْ وَفَتَاوِيهِمُ الْأَرْضَ. فَهَذَا مَالِكٌ جُمِعَتْ فَتَاوِيهِ عِدَّةَ أَسْفَارٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ تَصَانِيفُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُقَارِبُ الْمِائَةَ، وَهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ بَلَغَتْ فَتَاوِيهِ وَتَآلِيفُهُ نَحْوَ مِائَةِ سِفْرٍ، وَفَتَاوِيهِ عِنْدَنَا فِي نَحْوِ عِشْرِينَ سِفْرًا، وَغَالِبُ تَصَانِيفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهَذَا عَلَّامَتُهُمُ الْمُتَأَخِّرُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ جَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَتَاوَاهُ فِي ثَلَاثِينَ مُجَلَّدًا وَرَأَيْتُهَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهَذِهِ تَآلِيفُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ، كُلُّهُمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ يُقِرُّ لِلصَّحَابَةِ بِالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، وَيَعْتَرِفُ بِأَنَّ عِلْمَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُلُومِهِمْ كَعُلُومِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ نَبِيِّهِمْ.