قَالَ الْمُسْتَخْرِجُونَ لِهَذِهِ الْبِشَارَةِ: مَعْلُومٌ أَنَّ يَدَ بَنِي إِسْمَاعِيلَ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ فَوْقَ أَيْدِي بَنِي إِسْحَاقَ، بَلْ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْحَاقَ النُّبُوَّةُ وَالْكِتَابُ، وَقَدْ دَخَلُوا مِصْرَ زَمَنَ يُوسُفَ مَعَ يَعْقُوبَ، فَلَمْ يَكُنْ لِبَنِي إِسْمَاعِيلَ فَوْقَهُمْ يَدٌ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهَا لَمَّا بُعِثَ مُوسَى، وَكَانَ مَعَ مُوسَى (أَعَزُّ أَهْلٍ) ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ يَدٌ، وَلِذَلِكَ كَانُوا مَعَ يُوشَعَ إِلَى زَمَنِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ الْمُلْكَ الَّذِي لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِثْلَهُ، فَلَمْ تَكُنْ يَدُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتَ نَصَّرَ فَفَعَلَ بِهِمُ الْأَفَاعِيلَ، وَلَمْ تَكُنْ يَدُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ فَكَفَرُوا بِهِ، وَكَذَّبُوهُ، فَدَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُ، وَزَالَ مُلْكُهُمْ وَلَمْ يَقُمْ لَهُمْ بَعْدَهُ قَائِمَةٌ، وَقَطَّعَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا. وَكَانُوا تَحْتَ حُكْمِ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَقَهْرِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ يَدُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْحَالَةِ، وَلَا كَانَتْ فَوْقَ الْجَمِيعِ إِلَى أَنْ بَعْثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِرِسَالَتِهِ، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِنُبُوَّتِهِ فَصَارَتْ بِمَبْعَثِهِ يَدُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ سُلْطَانٌ أَعَزُّ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، بِحَيْثُ قَهَرُوا سُلْطَانَ فَارِسَ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ، وَقَهَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالصَّابِئَةَ وَعُبَّادَ الْأَصْنَامِ، وَظَهَرَ بِذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ فِي التَّوْرَاةِ: " وَتَكُونُ يَدُهُ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَيَدُ الْكُلِّ بِهِ " وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَمِرٌّ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.

قَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، وَلَكِنَّ هَذِهِ بِشَارَةٌ بِمُلْكِهِ وَظُهُورِهِ وَقَهْرِهِ، لَا بِرِسَالَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ.

قَالَ الْمُسْلِمُونَ: الْمُلْكُ مُلْكَانِ، مُلْكٌ لَيْسَ مَعَهُ نُبُوَّةٌ بَلْ مُلْكُ جَبَّارٍ مُتَسَلِّطٍ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015