مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَأَوْصَى أُمَّتَهُ بِأَنْ يُقْرِئَهُ السَّلَامَ مَنْ لَقِيَهُ مِنْهُمْ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: كَيْفَ تَهْلِكُ أُمَّةٌ أَنَا فِي أَوَّلِهَا وَعِيسَى فِي آخِرِهَا؟! .
قَالَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ - وَهَذَا لَفْظُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ - لَيْسَ بِهَذَا خَفَاءٌ عَلَى مَنْ تَدَبَّرَهُ وَلَا غُمُوضٌ، لِأَنَّ الْمَجِيءَ أَيْ مَجِيءُ اللَّهِ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ: إِنْزَالُهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ كَالَّذِي هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعِنْدَنَا، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِشْرَاقُهُ مِنْ سَاعِيرَ: إِنْزَالَهُ الْإِنْجِيلَ عَلَى الْمَسِيحِ، وَكَانَ الْمَسِيحُ مِنْ سَاعِيرَ، أَرْضِ الْخَلِيلِ، بِقَرْيَةٍ تُدْعَى نَاصِرَةَ، وَبِاسْمِهَا تَسَمَّى مَنِ اتَّبَعَهُ نَصَارَى، وَكَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِشْرَاقُهُ مِنْ سَاعِيرَ بِالْمَسِيحِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْلَانُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ: إِنْزَالَهُ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجِبَالُ فَارَانَ هِيَ جِبَالُ مَكَّةَ، قَالَ: وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ خِلَافٌ فِي أَنَّ فَارَانَ هِيَ مَكَّةُ، فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهَا غَيْرُ مَكَّةَ - وَلَيْسَ يُنْكَرُ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَإِفْكِهِمْ - قُلْنَا: أَلَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ " أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَسْكَنَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ فَارَانَ "؟! وَقُلْنَا لَهُمْ: دُلُّونَا