وَكَذَلِكَ أَنِفُوا أَنْ يَكُونَ لِلْبَتْرَكِ وَالرَّاهِبِ زَوْجَةٌ أَوْ وَلَدٌ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ، وَكَذَلِكَ أَنِفُوا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيُطِيعُوا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ رَضُوا بِعِبَادَةِ الصَّلِيبِ وَالصُّوَرِ الْمَصْنُوعَةِ بِالْأَيْدِي فِي الْحِيطَانِ، وَطَاعَةِ كُلِّ مَنْ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ أَوْ يُحَلِّلُ لَهُمْ مَا شَاءَ وَيُشَرِّعُ لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا شَاءَ وَمِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
وَنَظِيرُ هَذَا التَّعْوِيضِ أَنِفَتِ الْجَهْمِيَّةِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ مُبَايِنًا مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَحْصُورًا بِزَعْمِهِمْ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ قَالُوا: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، فَحَصَرُوهُ فِي الْآبَارِ وَالسُّجُونِ وَالْأَنْجَاسِ وَالْأَحْوَاشِ، وَعَوَّضُوهُ بِهَذِهِ الْأَمْكِنَةِ عَنْ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ، فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَاقِلُ لَعِبَ الشَّيْطَانِ بِعُقُولِ هَذَا الْخَلْقِ، وَضَحِكَهُ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِهْزَاءَهُ بِهِمْ.
(فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمَسِيحِ: إِذَا انْطَلَقْتُ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ، مَعْنَاهُ أَنِّي أُرْسِلُهُ بِدُعَائِي وَطَلَبِي مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَهُ، كَمَا يَطْلُبُ الطَّالِبُ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا، أَوْ يُوَلِّيَ نَائِبًا، أَوْ يُعْطِيَ أَحَدًا، فَيَقُولُ: أَنَا أَرْسَلْتُ هَذَا وَوَلَّيْتُهُ وَأَعْطَيْتُهُ، أَيْ كُنْتُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا قَضَى بِأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ، فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ لَهُ أَسْبَابًا يَكُونُ بِهَا، وَمِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ دُعَاءُ بَعْضِ عِبَادِهِ بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنَ النِّعْمَةِ إِجَابَةُ دُعَائِهِ، مَضَافًا إِلَى نِعْمَتِهِ بِإِيجَادِ مَا قَضَى كَوْنَهُ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا بِهِ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ