ولا يوسع في الإنفاق توسيعا لا حاجة إليه بحيث يكون به مسرفا، فهو نهي عن جانبي الإفراط والتفريط، ويحصل من ذلك مشروعية التوسط وهو العدل الذي ندب الله إليه.
ولا تك فيها مفرطا أو مفرّطا ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقد مثّل الله سبحانه في هذه الآية حال الشحيح بحال من كانت يده مغلولة إلى عنقه بحيث لا يستطيع التصرف بها ومثّل حال من يجاوز الحد في التصرف بحال من يبسط يده بسطا لا يتعلق بسببه فيها شيء مما تقبض الأيدي عليه، وفي هذا التصوير مبالغة بليغة.
ثم بين سبحانه غاية الطرفين المنهي عنهما فقال:
فَتَقْعُدَ مَلُوماً: عند الناس بسبب ما أنت عليه من الشح «1» .
مَحْسُوراً (29) : بسبب ما فعلته من الإسراف، أي منقطعا عن المقاصد بسبب الفقر «2» .
والمحسور في الأصل: المنقطع عن السير.
وقيل: معناه نادما على ما سلف.
[الآية الثانية]
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) .
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً: أي لا لسبب من الأسباب المسوغة لقتله شرعا.
فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً: أي لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين، والسلطان التسلّط على القاتل إن شاء قتل وإن