الحج ووافقه جماعة وخالفه آخرون.
والظاهر أن من تمكن من الزاد والراحلة وكانت الطريق آمنة بحيث يتمكن من مرورها- ولو بمصانعة بعض الظلمة بدفع شيء من المال يتمكن منه الحاج ولا ينقص من زاده ولا يجحف به- فالحج غير ساقط عنه بل واجب عليه لأنه قد استطاع السبيل إليه بدفع شيء من المال ولكنه يكون هذا المال المدفوع في الطريق من جملة ما يتوقف عليه الاستطاعة: فلو وجد الرجل زادا وراحلة ولم يجد ما يدفعه لمن يأخذ المكس في الطريق لم يجب عليه الحج لأنه لم يستطع إليه سبيلا، وهذا لا بد منه، ولا ينافي تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة، فإنه قد تعذر المرور في طريق الحج لمن وجد الزاد والراحلة إلا بذلك القدر الذي يأخذه المكاسون.
ولعل وجه قول الشافعي إنه يسقط الحج أن أخذ هذا المكس منكر، فلا يجب على الحاج أن يدخل في منكر، وأنه بذلك غير مستطيع.
ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة أن يكون الحاج صحيح البدن على وجه يمكنه الركوب، فلو كان زمنا بحيث لا يقدر على المشي ولا على الركوب فهذا- وإن وجد الزاد والراحلة- لم يستطع السبيل. وقد وردت أحاديث في تشديد الوعيد على من ملك زادا أو راحلة ولم يحج ذكرها الشوكاني في «فتح القدير» «1» وتكلم عليها.
[الآية الثالثة]
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) .
أي يأتي به حاملا له على ظهره، كما صح ذلك عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيفضحه بين الخلائق «2» .
وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد ويطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب.