قَالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ) اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ: إنَّ كُلَّ أَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَصِفَاتُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ. وَقِيلَ: جَمِيلٌ بِمَعْنَى مُجْمِلٍ كَكَرِيمٍ وَسَمِيعٍ بِمَعْنَى مُكْرِمٍ وَمُسْمِعٍ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ: مَعْنَاهُ جَلِيلٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: أَنَّهُ بِمَعْنَى ذِي النُّورِ وَالْبَهْجَةِ: أَيْ مَالِكِهِمَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَمِيلُ الْأَفْعَالِ بِكُمْ وَالنَّظَرِ إلَيْكُمْ يُكَلِّفُكُمْ الْيَسِيرَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ وَيَشْكُرُ عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَكِنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْأَسْمَاءِ. الْحُسْنَى، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَهُ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ أَطْلَقْنَاهُ، وَمَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ إطْلَاقِهِ مَنَعْنَاهُ، وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ إذْنٌ وَلَا مَنْعٌ لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمَ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ، وَلَوْ قَضَيْنَا بِتَحْلِيلٍ أَوْ بِتَحْرِيمٍ لَكُنَّا مُثْبِتِينَ حُكْمًا بِغَيْرِ الشَّرْعِ انْتَهَى. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ وَوَصْفِهِ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمَدْحِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا مَنَعَهُ فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إلَّا أَنْ يَرِدَ بِهِ شَرْعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنْ وَرَدَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ وَقَالُوا: الدُّعَاءُ بِهِ وَالثَّنَاءُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ وَهُوَ جَائِزٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى اعْتِقَادِ مَا يَجُوزُ أَوْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَطَرِيقُ هَذَا الْقَطْعِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ مُدَوَّنَةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ فَلَا نُطِيلُ فِيهَا الْمَقَالَ.
قَوْلُهُ: (بَطَرُ الْحَقِّ) هُوَ دَفْعُهُ وَإِنْكَارُهُ تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وَفِي الْقَامُوسِ الْحَقُّ أَنْ يَتَكَبَّرَ عِنْدَهُ فَلَا يَقْبَلُهُ. قَوْلُهُ: (وَغَمْصُ النَّاسِ) هُوَ مُعْجَمَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَصَادٌ مُهْمَلَةٌ قَبْلَهَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ إلَّا بِالطَّاءِ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي مُصَنَّفِهِ، وَذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْغَمْطُ وَالْغَمْصُ قَالَ النَّوَوِيُّ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ هُوَ احْتِقَارُ النَّاسِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِبْرَ مَانِعٌ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَإِنْ بَلَغَ فِي الْقِلَّةِ إلَى الْغَايَةِ، وَلِهَذَا وَرَدَ التَّحْدِيدُ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَذَكَرَ الْخَطَّابِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّكَبُّرُ عَنْ الْإِيمَانِ فَصَاحِبُهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا إذَا مَاتَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ حَالَ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِمَا بُعْدٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ