نيل الاوطار (صفحة 414)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثُ رِجَالُ إسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَنْ صَحَّحَهُ. وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ «إنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَسَاقَا نَحْوَ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ

قَوْلُهُ: (بِهَوِيٍّ) الْهَوِيُّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَبِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ: السُّقُوطُ، وَالْمُرَادُ بَعْدَ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ اللَّيْلِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ لِعُذْرِ الِاشْتِغَالِ بِحَرْبِ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ، لَكِنْ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ شَرْعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَالْوَاجِبُ بَعْدَ شَرْعِيَّتِهَا عَلَى مَنْ حُبِسَ بِحَرْبِ الْعَدُوِّ أَنْ يَفْعَلَهَا، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَذَهَبَ مَكْحُولٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّامِيِّينَ إلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ مَا فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا فَائِتَةُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ

فَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَمَدَ الْجَمْعَ فَقَالَ: إنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ لِأَيَّامٍ فَكَانَ بَعْضُ الْأَيَّامِ الْفَائِتُ الْعَصْرُ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا الْفَائِتُ الْعَصْرُ وَالظُّهْرُ، وَفِي بَعْضِهَا الْفَائِتُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَمَدَ التَّرْجِيحَ فَقَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْعَصْرُ تَرْجِيحًا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا فِي غَيْرِهِمَا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَالْجَمْعُ أَرْجَحُ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ جَلِيلٌ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ وَنَحْوَهُ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ مُتَحَتِّمٌ وَاقْتِصَارُ الرَّاوِي عَلَى ذِكْرِ الْعَصْرِ فَقَطْ لَا يَقْدَحُ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ إنَّهَا الْعَصْرُ وَالظُّهْرُ أَوْ الْأَرْبَعُ الصَّلَوَاتِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ رَوَى مَا عَلِمَ وَتَرَكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بِتَعَدُّدِ وَاقِعَةِ الْخَنْدَقِ مَعَ هَذَا. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَوَائِتِ الْمَقْضِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِهِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْهَادِي وَالْإِمَامُ يَحْيَى إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» كَمَا سَبَقَ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ خَالِصٍ عَنْ شَوْبِ اعْتِرَاضٍ وَمُعَارَضَةٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي الْجَمَاعَةِ وَخَالَفَ فِيهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ

قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لِلْفَوَائِتِ وَعَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ وَإِنْ قُضِيَتْ لَيْلًا لَا يُجْهَرُ فِيهَا. وَعَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ نُسِخَ بِشَرْعِ صَلَاةِ الْخَوْفِ انْتَهَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015