. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطُّ يُرَدُّ إلَيْهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ هُنَا أَمْرٌ وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَقَطْ، بَلْ نُنَازِعُ فِي قَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْهُ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَأَطَالَ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ دَاوُد وَمَنْ مَعَهُ وَالْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ مَعَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ لِلْمُوجِبِينَ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْعَامِدِ وَهُمْ مَنْ عَدَا مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى دَلِيلٍ يُنْفَقُ فِي سُوقِ الْمُنَاظَرَةِ، وَيَصْلُحُ لِلتَّعْوِيلِ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ إلَّا حَدِيثَ «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَضِيهِ اسْمُ الْجِنْسِ الْمُضَافِ مِنْ الْعُمُومِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَرْفَعُوا إلَيْهِ رَأْسًا.
وَأَنْهَضُ مَا جَاءُوا بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى النَّاسِي يُسْتَفَادُ مِنْ مَفْهُومِ خِطَابِهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَامِدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، فَتَدُلُّ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَقِيَاسِ الْأَوْلَى عَلَى الْمَطْلُوب وَهَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْعَامِدَ لَا يَقْضِي لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ النَّاسِي بَلْ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَامِدِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْإِثْمُ عَنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَيَكُونُ إثْبَاتُهُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ عَبَثًا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالنَّائِمِ فَقَدْ أَمَرَهُمَا الشَّارِعُ بِذَلِكَ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ كَفَّارَةٌ لَهُمَا لَا كَفَّارَةٌ لَهُمَا سِوَاهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ حُجَجِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: «لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامِدَ مُرَادٌ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ وَالنَّاسِيَ لَا إثْمَ عَلَيْهِمَا، قَالُوا: فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي التَّارِكُ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ ذُهُولٍ أَمْ لَا.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] وقَوْله تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19] وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى النَّاسِي وَالنَّائِمِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ الَّذِي جَعَلُوا الْكَفَّارَةَ مَنُوطَةً بِهِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ قَدْ صَرَّحَتْ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ اسْتَضْعَفَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ. وَقَالَ: الْكَفَّارَةُ قَدْ تَكُونُ عَنْ الْخَطَأِ كَمَا تَكُونُ عَنْ الْعَمْدِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفَّارَةِ هِيَ الْإِتْيَانُ بِهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ. التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ دُونِ فِعْلٍ لَهَا.
وَقَدْ أَنْصَفَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَرَدَّ جَمِيعَ مَا تَشَبَّثُوا بِهِ، وَالْمُحْتَاجُ إلَى إمْعَانِ النَّظَرِ مَا ذَكَرْنَا لَك سَابِقًا مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِدَلِيلٍ هُوَ الْخِطَابُ الْأَوَّلُ الدَّالُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَامِدِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ تَرَدُّدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الْمُتَعَمِّدُ لِلتَّرْكِ قَدْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهَا فَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِأَدَائِهِ، إذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمَقَامَ مِنْ الْمَضَايِقِ وَأَنَّ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْعَامِدِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ وَجَهَالَةٌ - مِنْ الْإِفْرَاطِ الْمَذْمُومِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمُقْبِلِيُّ فِي الْمَنَارِ: إنَّ بَابَ الْقَضَاءِ رُكِّبَ عَلَى غَيْرِ أَسَاس لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ التَّفْرِيطِ. قَوْلُهُ: (لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ) اسْتَدَلَّ بِالْحَصْرِ الْوَاقِعِ