بَابُ أَسْآرِ الْبَهَائِمِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُلَّتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَإِلَّا يَكُونُ التَّحْدِيدُ بِالْقُلَّتَيْنِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ وُرُودِهَا عَلَى الْمَاءِ عَبَثًا.
16 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَذَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْعَيْنِ. الْجَارِيَةِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لَا التَّحْرِيمِ انْتَهَى. وَيُنْظَرُ مَا الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ، وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الْبَوْلُ فِيهِ أَوْ فِي إنَاءٍ ثُمَّ يُصَبَّ إلَيْهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَالتَّغَوُّطُ كَالْبَوْلِ وَأَقْبَحُ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَقْبَحُ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ. وَقَدْ نَصَرَ قَوْلَ دَاوُد ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى وَأَوْرَدَ لِلْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَتْبَاعُهُمْ عَلَى دَاوُد شَيْئًا وَاسِعًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَبْحِرَ الْكَثِيرَ جِدًّا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَحَمَلَتْهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ.
وَقِيلَ: حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ عَامٌّ فِي الْأَنْجَاسِ فَيُخَصُّ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ هُوَ عَدَمُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِالْمُتَنَجِّسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ وَلَا يَتَّجِهُ تَخْصِيصُ بَوْلِ الْآدَمِيِّ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِالْغُسْلِ بَلْ الْوُضُوءُ فِي مَعْنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا لَكَانَ مَعْلُومًا لِاسْتِوَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ) هَذَا اللَّفْظُ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ، وَلِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، " ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ " قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يُفِيدُ حُكْمًا بِالنَّصِّ وَحُكْمًا بِالِاسْتِنْبَاطِ اهـ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الِانْغِمَاسِ بِالنَّصِّ وَعَلَى مَنْعِ التَّنَاوُلِ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَالرِّوَايَةُ بِلَفْظِ مِنْهُ بِعَكْسِ ذَلِكَ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ وَعَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مَسْلُوبُ الطَّهُورِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَحْثَيْنِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَنْ ذَهَبَ إلَى خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ حَمَلَ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى مَا دُونَهُمَا، وَخَبَرَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَلَى مَا بَلَغَهُمَا جَمْعًا بَيْنَ الْكُلِّ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ.