فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ» كُلُّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
بَابُ الْحَائِضِ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ
الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَيْضًا رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنَ الْجَارُودِ، وَكُلُّ رُوَاتِهَا مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ إلَّا مِقْسَمًا الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ مَا أَخْرَجَ لَهُ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا. وَقَدْ صَحَّحَ حَدِيثَ الْبَابِ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ حَدِيثَ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقِيلَ تَذْهَبُ إلَيْهِ، فَقَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ. وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: رَفَعَهُ غُنْدَرٌ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَالِاضْطِرَابُ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ كَثِيرٌ جِدًّا، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانَ، وَهُوَ مِمَّنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ إنَّ الْإِعْلَالَ بِالِاضْطِرَابِ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رِوَايَةِ كُلِّ رَاوٍ بِحَسْبِهَا وَيَعْلَمُ مَا خَرَجَ عَنْهُ فِيهَا، فَإِنْ صَحَّ مِنْ طَرِيقٍ قُبِلَ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يُرْوَى مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ، فَهُمْ إذَا قَالُوا: رُوِيَ فِيهِ بِدِينَارٍ وَرُوِيَ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَرُوِيَ بِاعْتِبَارِ صِفَاتِ الدَّمِ.
وَرُوِيَ دُونَ اعْتِبَارِهَا، وَرُوِيَ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ الْحَيْضِ وَآخِرِهِ، وَرُوِيَ دُونَ ذَلِكَ، وَرُوِيَ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ، وَرُوِيَ بِعِتْقِ نَسَمَةٍ، وَهَذَا عِنْد التَّدَيُّنِ وَالتَّحْقِيقِ لَا يَضُرُّهُ، ثُمَّ أَخَذَ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْخَطَّابِيّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ مَرْفُوعٌ لَكِنَّ الذِّمَمَ بَرِيئَةٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِشُغْلِهَا.
وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ وَابْنَ أَبِي عَدِيٍّ رَفَعُوهُ عَنْ شُعْبَةَ، وَكَذَلِكَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: مَنْ رَفَعَهُ عَنْ شُعْبَةَ أَجَلُّ وَأَكْثَرُ وَأَحْفَظُ مِمَّنْ وَثَّقَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ شُعْبَةَ أَسْنَدَهُ إلَى الْحَكَمِ مَرَّةً وَوَقَفَهُ مَرَّةً فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ أَنَّ كُلًّا عِنْدَهُ، ثُمَّ لَوْ تَسَاوَى رَافِعُوهُ مَعَ وَاقِفِيهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَقْدَحُ فِيهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَدِيثِ ضَعْفًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْأُصُولِ،؛ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَتْ مُكَذِّبَةً لِلْأُخْرَى، وَالْأَخْذُ بِالْمَرْفُوعِ أَخْذٌ بِالزِّيَادَةِ وَهِيَ وَاجِبَةُ الْقَبُولِ: قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ أَمْعَنَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْقَوْلَ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْجَوَابِ عَنْ طُرُقِ الطَّعْنِ فِيهِ بِمَا يُرَاجِعُ مِنْهُ. وَأَقَرَّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ تَصْحِيحَ ابْنِ الْقَطَّانِ وَقَوَّاهُ فِي الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّوَابُ، فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ قَدْ احْتَجُّوا بِهِ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي هَذَا كَحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.
وَفِي ذَلِكَ مَا يَرُدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي دَعْوَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْقِيحِ؛ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ خَالَفُوا الْحُكْمَ فِي تَصْحِيحِهِ، وَأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَتَبِعَ النَّوَوِيُّ فِي بَعْض ذَلِكَ ابْنَ الصَّلَاحِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَأَخْرَجَهَا مَعَ التِّرْمِذِيِّ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو يَعْلَى وَالدَّارِمِيُّ،