. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ عَلَى مَا وَرَدَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " شَاهِدَاكَ " وَإِنَّمَا النِّزَاعُ إذَا جَاءَ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا هُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْهَا كَعِلْمِ الْحَاكِمِ
وَاسْتَدَلَّ الْمُسْتَثْنِي لِلْحُدُودِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ " وَفِي لَفْظٍ " لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْمُلَاعَنَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ بِوُقُوعِ الزِّنَا مِنْهَا وَلَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ لِكَوْنِهِ قَدْ حَصَلَ التَّلَاعُنُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ الرَّجْمِ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَقَدَّمَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ يُنَافِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ مَا يَزِيدُ هَذَا وُضُوحًا وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَلْمُدَّعِي: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يُقِمْهَا، فَقَالَ لِلْآخَرِ: احْلِفْ، فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ فَعَلْت، وَلَكِنْ غُفِرَ لَكَ بِإِخْلَاصِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ بَلْ هُوَ عِنْدَك ادْفَعْ إلَيْهِ حَقَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَهَادَتُك أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَفَّارَةُ يَمِينِك وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهُ كَاذِبٌ إنَّ لَهُ عِنْدَهُ حَقَّهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَكَفَّارَةُ يَمِينِهِ مَعْرِفَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَبِي يَحْيَى وَهُوَ مِصْدَعٌ الْمُعَرْقَبُ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَتَعَقَّبَهُ الْمِزِّيُّ بِأَنَّهُ وَهْمٌ بَلْ اسْمُهُ زِيَادٌ كَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ بِرِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْبُحْتُرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُخْتَصَرًا " أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِاَللَّهِ وَغُفِرَ لَهُ " قَالَ: وَشُعْبَةُ أَقْدَمُ سَمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الْحَافِظُ: أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ هُوَ أَبُو قَدَامَةَ. فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِعِلْمِهِ بَعْدَ وُقُوعِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْيَمِينُ، فَبِالْأَوْلَى جَوَازُ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ قَبْلَ وُقُوعِهِ
وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِ يَحْيَى وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ الدَّلِيلَ. وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْحَدَّ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ وِلَايَتِهِ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إذْ ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي بَلَدِ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلَايَتِهِ حَكَمَ بِعِلْمِهِ.