بَابٌ التَّشْدِيدُ فِي الْوِلَايَةِ وَمَا يُخْشَى عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا دُونَ الْقَائِمِ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَتَحْرِصُونَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَيَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْإِمَارَةِ الْإِمَارَةُ الْعُظْمَى وَهِيَ الْخِلَافَةُ وَالصُّغْرَى وَهِيَ الْوِلَايَةُ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ، وَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ قَوْلُهُ: (وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا بِمَا يَنْبَغِي
وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ «أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَنْ عَدَلَ» وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَرِيكٌ: لَا أَدْرِي رَفَعَهُ أَمْ لَا قَالَ «الْإِمَارَةُ أَوَّلُهَا نَدَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا غَرَامَةٌ، وَآخِرُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَفَعَهُ بِلَفْظِ «أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ «نِعْمَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةَ لِمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَحِلِّهَا وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَيُقَيِّدُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: إنَّك ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ، وَهُوَ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ أَهْلِيَّةٍ وَلَمْ يَعْدِلْ فَإِنَّهُ يَنْدَمُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ إذَا جُوزِيَ بِالْخِزْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا وَعَدَلَ فِيهَا فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ كَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَلَكِنَّ الدُّخُولَ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْأَكَابِرُ مِنْهَا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ هَذَا قَوْلُهُ: «فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَت الْفَاطِمَةُ» قَالَ الدَّاوُدِيُّ: نِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ: أَيْ فِي الدُّنْيَا، وَبِئْسَت الْفَاطِمَةُ: أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إلَى الْمُحَاسَبَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ كَاَلَّذِي يُفْطَمُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْنِيَ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ هَلَاكُهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ: نِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ حُصُولِ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَنَفَاذِ الْكَلِمَةِ وَتَحْصِيلِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْوَهْمِيَّةِ حَالَ حُصُولِهَا، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ عَنْهَا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ التَّبَعَاتِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ) أَيْ كَانَ عَدْلُهُ فِي حُكْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ كَمَا يُقَالُ: غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ: أَيْ هُوَ أَكْثَرُ خِصَالِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْأَجْرِ الَّذِي هُوَ الْجَنَّةُ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الْقَاضِي جَوْرٌ أَصْلًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ جَوْرُهُ مَغْلُوبًا بِعَدْلِهِ
فَلَا يَضُرُّ الْجَوْرُ الْمَغْلُوبُ بِالْعَدْلِ، إنَّمَا الَّذِي يَضُرُّ وَيُوجِبُ النَّارَ أَنْ يَكُونَ الْجَوْرُ غَالِبًا لَلْعَدْلِ. قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ هَذَا الْقَاضِي الَّذِي طَلَبَ الْقَضَاءَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْ الْجَمْعِ
وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمِيرِ لَلْإِعَانَةِ هَلْ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ إعْطَائِهِ لَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَمْ لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِالْإِكْرَاهِ وَالْإِجْبَارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ