. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ «لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ لَاسْتَقَاءَ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلَا يَشْرَبُ قَائِمًا فَقَالَ: قِهْ، قَالَ: لِمَهْ، قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يَشْرَبَ مَعَك الْهِرُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قَدْ شَرِبَ مَعَك مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الطَّحَّانِ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَبُو زِيَادٍ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ. وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَمِنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَجَرَ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا» قَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْجَوَازِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ، فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَعَلَّ النَّهْيَ مُنْصَرِفٌ إلَى مَنْ أَتَى أَصْحَابَهُ بِمَاءٍ فَبَادَرَ بِشُرْبِهِ قَائِمًا قَبْلَهُمْ اسْتِبْدَادًا بِهِ وَخُرُوجًا عَنْ كَوْنِ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَدِيثَ تَضَمَّنَ الْمَنْعَ مِنْ الْأَكْلِ قَائِمًا، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ قَائِمًا، قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَحَادِيثَ شُرْبِهِ قَائِمًا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى وَأَكْمَلُ. قَالَ: وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالْقَيْءِ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا يُحَرِّكُ خَلْطًا يَكُونُ الْقَيْءُ دَوَاءَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّخَعِيّ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِدَاءِ الْبَطْنِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ عِيَاضٌ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَقَالَ: إنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، وَكَانَ شُعْبَةُ يَتَّقِي مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ مَا لَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ. قَالَ: وَاضْطِرَابُ قَتَادَةَ فِيهِ مِمَّا يُعِلُّهُ مَعَ مُخَالِفَةِ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى وَالْأَئِمَّةِ لَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي سَنَدِهِ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ، وَلَا يُتَحَمَّلُ مِنْهُ مِثْلُ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ غَيْرُهُ لَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ النَّوَوِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أُشْكِلَ مَعْنَاهَا عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى قَالَ فِيهَا أَقْوَالًا بَاطِلَةً، وَزَادَ حَتَّى تَجَاسَرَ وَرَامَ أَنْ يُضَعِّفَ بَعْضَهَا وَلَا وَجْهَ لِإِشَاعَةِ الْغَلَطَاتِ بَلْ يَذْكُرُ الصَّوَابَ وَيُشَارُ إلَى التَّحْذِيرِ عَنْ الْغَلَطِ، وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ إشْكَالٌ وَلَا فِيهَا ضَعْفٌ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَشُرْبُهُ قَائِمًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ نَسْخًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ غَلَطَ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ لَوْ ثَبَتَ التَّارِيخُ، وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ لَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ مَكْرُوهًا أَصْلًا فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ لِلْبَيَانِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِقَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَشْرَبُ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِئَ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَأَمَّا قَوْلُ عِيَاضٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى إشَارَتِهِ، وَكَوْنُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُوجِبُوا الِاسْتِقَاءَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ، فَمَنْ ادَّعَى مَنْعَ الِاسْتِحْبَابِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ مُجَازِفٌ، وَكَيْفَ تُتْرَكُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّوَهُّمَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالتُّرَّهَاتِ.
قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ فِي كَلَامِ