. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ مَا عَلَيْهِ مَزِيدٌ؛ لِأَنَّ عَابِدَ الْوَثَنِ أَشَدُّ الْكَافِرِينَ كُفْرًا، فَالتَّشْبِيهُ لِفَاعِلِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ بِفَاعِلِ الْعِبَادَةِ لِلْوَثَنِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُبَالَغَةِ وَالزَّجْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ) اُخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي حُرِّمَتْ فِيهِ الْخَمْرُ، فَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي سِيرَتِهِ بِأَنَّهُ كَانَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالْحُدَيْبِيَةُ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَهِيَ بَعْدَ أُحُدٍ وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ قَوْلُهُ: (فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ) لَعَلَّهُ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] قَوْلُهُ: (أَفَلَا أَكَارِمُ بِهَا الْيَهُودَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَارَمَهُ فَكَرَمَهُ كَنَصَرَهُ: غَلَبَهُ فِيهِ اهـ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا الْمُهَادَاةُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُكَارَمَةُ أَنْ تُهْدِيَ لِإِنْسَانٍ شَيْئًا لِيُكَافِئكَ عَلَيْهِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْكَرَمِ اهـ
قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَزَلَتْ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] وقَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] نَسَخَتْهُمَا الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] وَفِي إسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ.
وَوَجْهُ النَّسْخِ أَنَّ الْآيَةَ الْآخِرَةَ فِيهَا الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الِاجْتِنَابِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مَعَهُ مِنْ الْخَمْرِ فِي حَالٍ مِنْ حَالَاتِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَفِي حَالِ السُّكْرِ وَحَالِ عَدَمِ السُّكْرِ وَجَمِيعِ الْمَنَافِعِ فِي الْعَيْنِ وَالثَّمَنِ قَوْلُهُ: (وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. . . إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ كَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِهِ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَفَرَّقَ مَرَّةً بَيْنَ حَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَحَدِيثِهِ الْحَدِيثِ، وَوَافَقَهُ عَلَى التَّفْرِقَةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي السُّلَمِيُّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ فَحُرِّمَتْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، فَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي إسْنَادِهِ فَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ فَأَرْسَلُوهُ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي مَتْنِهِ فَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ: أَنَّ الَّذِي صَلَّى بِهِمْ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيّ وَأَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ أَمَرُوا رَجُلَا فَصَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِ.
وَفِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ " فَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ " اهـ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَانَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ فَقَرَأَ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فَأُلْبِسَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ.