بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَلَّالَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ يَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى فَيُلَقَّحُ فِي حَالِ الذُّكُورَةِ وَيَلِدُ فِي حَالِ الْأُنُوثَةِ، وَهُوَ مُولَعٌ بِنَبْشِ الْقُبُورِ لِشَهْوَتِهِ لِلُحُومِ بَنِي آدَمَ. قَوْلُهُ: (قَالَ نَعَمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الضَّبُعِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا زَالَ النَّاسُ يَأْكُلُونَهَا وَيَبِيعُونَهَا بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَتَمْدَحُهُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى التَّحْرِيمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا تَقَدَّمَ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَدِيثِ كُلِّ ذِي نَابٍ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: أَوْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ؟» وَفِيهِ رِوَايَةٌ: «وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ؟» فَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أُمَيَّةَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَالرَّاوِي عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الضَّبُعَ لَيْسَ لَهَا نَابٌ. وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ جَمِيعَ أَسْنَانِهَا عَظْمٌ وَاحِدٌ كَصَفِيحَةِ نَعْلِ الْفَرَسِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَبْشَ مِثْلُ الضَّبُعِ.
وَفِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمِثْلِيَّةِ. بِالتَّقْرِيبِ فِي الصُّورَةِ لَا فِي الْقِيمَةِ فَفِي الضَّبُعِ الْكَبْشُ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا) بَنُونٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ سَاكِنَةٍ: أَيْ أَثَرْنَا: يُقَالُ نَفَجَ الْأَرْنَبُ: إذَا ثَارَ، وَأَنْفَجْتُهُ: أَيْ أَثَرْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَيُقَالُ الِانْتِفَاجُ: الِاقْشِعْرَارُ وَارْتِفَاعُ الشَّعْرِ وَانْتِفَاشُهُ. وَالْأَرْنَبُ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُشْبِهُ الْعَنَاقَ لَكِنْ فِي رِجْلَيْهَا طُولٌ بِخِلَافِ يَدَيْهَا، وَالْأَرْنَبُ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَوْلُهُ: (بِمَرِّ الظَّهْرَانِ) اسْمُ مَوْضِعٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ، وَالرَّاءُ مِنْ قَوْلِهِ بِمَرِّ مُشَدَّدَةٌ
قَوْلُهُ: (فَلَغِبُوا) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ: أَيْ تَعِبُوا وَزْنًا وَمَعْنًى قَوْلُهُ: (صِنَابُهَا) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصِّنَابُ كَكِتَابٍ. اهـ. وَهُوَ صِبْغٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْخَرْدَلِ وَالزَّبِيبِ وَيُؤْتَدَمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا عَطَفَ أُدْمَهَا عَلَيْهِ لِلتَّفْسِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ قَوْلُهُ: (بِوَرِكِهَا) الْوَرِكُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: وَهُمَا وَرِكَانِ فَوْقَ الْفَخِذَيْنِ كَالْكَتِفَيْنِ فَوْقَ الْعَضُدَيْنِ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْأَرْنَبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ التَّابِعِينَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا تَقُولُ فِي الْأَرْنَبِ؟ قَالَ: لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ قُلْتُ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نُبِّئْت أَنَّهَا تُدْمِي» قَالَ الْحَافِظُ: وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِ «جِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا تَحِيضُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد