. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُوجَدُ فِيهِ نَصٌّ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْحَثَ عَنْ دُخُولِهِ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى اخْتِلَافِ وُجُوهِهَا فَهَذَا مَطْلُوبٌ لَا مَكْرُوهٌ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. ثَانِيهِمَا: أَنْ يُدَقِّقَ النَّظَرَ فِي وُجُوهِ الْفَرْقِ فَيُفَرِّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ بِفَرْقٍ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي الشَّرْعِ مَعَ وُجُودِ وَصْفِ الْجَمْعِ، أَوْ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُفْتَرِقَيْنِ لِوَصْفٍ طَرْدِيِّ مَثَلًا، فَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ، وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ " هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَرَأَوْا أَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ الزَّمَانِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَمِثْلُهُ الْإِكْثَارُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى مَسْأَلَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا الْإِجْمَاعِ، وَهِيَ نَادِرَةُ الْوُقُوعِ جِدًّا فَيَصْرِفُ فِيهَا زَمَانًا كَانَ صَرْفًا فِي غَيْرِهَا أَوْلَى، وَلَا سِيَّمَا إنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَقَالِ التَّوَسُّعُ فِي بَيَانِ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ، وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ فِي كَثْرَةِ السُّؤَالِ الْبَحْثُ عَنْ أُمُورٍ مُغَيَّبَةٍ وَرَدَّ الشَّرْعُ بِالْإِيمَانٍ بِهَا مَعَ تَرْكِ كَيْفِيَّتِهَا.
وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي عَالَمِ الْحِسِّ كَالسُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ وَعَنْ الرُّوحِ وَعَنْ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَالْكَثِيرُ مِنْهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ، فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ. وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ كَثْرَةُ الْبَحْثِ عَنْهُ فِي الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ كَمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ» قَالَ الْحَافِظُ: فَمَنْ سَدَّ بَابَ الْمَسَائِلِ حَتَّى فَاتَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَإِنَّهُ يَقِلُّ فَهْمُهُ وَعِلْمُهُ، وَمَنْ تَوَسَّعْ فِي تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ وَتَوْلِيدِهَا، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يَقِلُّ وُقُوعُهُ أَوْ يَنْدُرُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَاهَاةَ وَالْمُغَالَبَةَ فَإِنَّهُ يُذَمُّ فِعْلُهُ، وَهُوَ عَيْنُ الَّذِي كَرِهَهُ السَّلَفُ. وَمُذْ أُمْعِنَ الْبَحْثُ عَنْ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَافَظًا عَلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ وَحَصَلَ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ، وَعَنْ مَعَانِي السُّنَّةِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ مُقْتَصَرًا عَلَى مَا يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ فِيهَا، فَإِنَّهُ الَّذِي يُحْمَدُ وَيَنْفَعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ عَمَلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، حَتَّى حَدَثَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَعَارَضَتْهَا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَكَثُرَ بَيْنَهُمْ الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ وَتَوَلَّدَتْ الْبَغْضَاءُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ وَالْوَسَطُ هُوَ الْمُعْتَدِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ: «فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ يَجُرُّ إلَى عَدَمِ الِانْقِيَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حَيْثُ تَقْسِيمُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَالتَّشَاغُلُ بِهِ، فَقَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى: يَعْنِي هَلْ الْعِلْمُ أَوْ الْعَمَلُ وَالْإِنْصَافُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى مَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ فَرْضُ عَيْنٍ. فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَنْ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً عَلَى الْفَهْمِ وَالتَّحْرِيرِ فَتَشَاغُلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إعْرَاضِهِ عَنْهُ وَتَشَاغُلُهُ بِالْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي، وَمَنْ وَجَدَ مِنْ نَفَسِهِ قُصُورًا