. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَكَنَ الْكُوفَةَ وَهَاجَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَهُ إلَى أَنْ قُبِضَ فَنَزَلَ الْكُوفَةَ قَوْلُهُ: (رَوْضَةَ خَاخٍ) بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَنْقُوطَتَيْنِ مِنْ فَوْقُ قَوْلُهُ: (ظَعِينَةً) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ: وَهِيَ الْمَرْأَةُ قَوْلُهُ: (مِنْ عِقَاصِهَا) جَمْعُ عَقِيصَةٍ: وَهِيَ الضَّفِيرَةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى عِقَصٍ قَوْلُهُ: (مِنْ حَاطِبِ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَبَلْتَعَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ.
قَوْلُهُ: (إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَرْكِ قَتْلِهِ كَوْنُهُ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ، ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةُ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ اسْمَهَا سَارَةُ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهَا كَنُودُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى سَارَةُ، وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا أُمُّ سَارَةُ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ حَاطِبًا جَعَلَ لَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ دِينَارًا وَاحِدًا.
وَقِيلَ إنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةَ الْعَبَّاسِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَ حَاطِبٌ حَلِيفًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ عَمْرُو، وَقِيلَ كَانَ أَيْضًا حَلِيفًا لِقُرَيْشٍ. وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ " أَمَّا بَعْدُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ يَسِيرُ كَالسَّيْلِ، فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّهُ وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْدَهُ، فَانْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلَامُ " كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدٍ لَهُ مُرْسَلٍ أَنَّ حَاطِبًا كَتَبَ إلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، وَلَا أُرَاهُ يُرِيدُ غَيْرَكُمْ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَكُمْ يَدٌ " قَوْلُهُ: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ. . . إلَخْ) هَذِهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ بَدْرٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَمْ تَقَعْ لِغَيْرِهِمْ، وَالتَّرَجِّي الْمَذْكُورُ قَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ لِلْوُقُوعِ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجَزْمِ، وَلَفْظُهُ «إنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا» وَقَدْ اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ " فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ وَهُوَ خِلَافُ عَقْدِ الشَّرْعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْمَاضِي: أَيْ كُلُّ عَمَلٍ كَانَ لَكُمْ فَهُوَ مَغْفُورٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يَقَعْ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَلَقَالَ: فَسَأَغْفِرُهُ لَكُمْ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَاضِي لَمَا حَسُنَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ بِهِ عُمَرَ مُنْكِرًا عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي أَمْرِ حَاطِبٍ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتِّ سِنِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا سَيَأْتِي، وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِهِ.
وَقِيلَ إنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: " اعْمَلُوا " لِلتَّشْرِيفِ