بَابُ الْأَسِيرِ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْأَسْرِ وَلَهُ شَاهِدٌ
3424 - (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَنْفَلِتَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ أَخْوَفَ أَنْ يَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ مِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ، قَالَ: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ) . الْحَدِيثُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعُ مِنْ أَبِيهِ
بَابُ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ
قَوْلُهُ: (لِبَنِي عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (الْعَضْبَاءَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ضَبْطِهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ: (بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ) الْجَرِيرَةُ: الْجِنَايَةُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ثَقِيفًا لَمَّا نَقَضُوا الْمُوَادَعَةَ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ بَنُو عُقَيْلٍ صَارُوا مِثْلَهُمْ فِي نَقْض الْعَهْدِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ الْبَابَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْأَسِيرِ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ، لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ فِي الْأَسْرِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفُكَّهُ مِنْ أَسْرِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِ مَنْ أَسَرَهُ.
وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ إسْلَامِ مَنْ عَرَفَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا دَعَتْهُ إلَى ذَلِكَ الضَّرُورَةُ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ
مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ
، فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ اسْتَنْقَذَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ مِنْ أَسْرِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ قَبِلَ مِنْهُ الْإِسْلَامَ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ " أَيْ لَوْ قُلْتَ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ أَوْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي أَخْبَرْتَ بِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْك الْأَسْرُ لَكُنْتَ آمِنًا وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْك مَا جَرَى مِنْ الْأَسْرِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ رَدَّ إسْلَامِهِ بَلْ قَبِلَهُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِإِسْلَامِهِ الْفِكَاكُ مِنْ الْأَسْرِ وَإِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ كُلُّ الْفَلَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامَلْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ فَبَقِيَ فِي وَثَاقِهِ وَتَحْتَ مِلْكِ مَنْ أَسَرَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ صَارَ مُسْلِمًا وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ الْإِسْلَامَ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ إجَابَةِ الْأَسِيرِ إذَا دَعَا، وَإِنْ كَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ وَالْقِيَامُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ " هَذِهِ حَاجَتُكَ ": أَيْ حَاضِرَةٌ يُؤْتَى إلَيْكَ بِهَا السَّاعَةَ.