. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجِهَاد: «وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ» ، أَيْ لِيُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَيَشْتَهِرُ بِالشَّجَاعَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاتِلُ رِيَاءً) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ» ، وَمَرْجِعُهُ إلَى الرِّيَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقَاتَلَةِ لِأَجْلِ الْحَمِيَّةِ أَنْ يُقَاتِلَ لِمَنْ يُقَاتَلُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ عَشِيرَةٍ أَوْ صَاحِبٍ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُفَسَّرَ الْحَمِيَّةُ بِالْقِتَالِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، وَالْقِتَالِ غَضَبًا لِجَلْبِ الْمَنْفَعَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ» ، وَفِي أُخْرَى لَهُ: «وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ غَضَبًا» . وَالْحَاصِلُ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْقِتَالَ يَقَعُ بِسَبَبِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: طَلَبُ الْمَغْنَمِ، وَإِظْهَارُ الشَّجَاعَةِ، وَالرِّيَاءُ، وَالْحَمِيَّةُ، وَالْغَضَبُ، وَكُلٌّ مِنْهَا يَتَنَاوَلُهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ بِالْإِثْبَاتِ وَلَا بِالنَّفْيِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الْمُرَادُ بِكَلِمَةِ اللَّهِ: دَعْوَةُ اللَّهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا مَنْ كَانَ سَبَبُ قِتَالِهِ طَلَبَ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَطْ، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَى ذَلِكَ سَبَبًا مِنْ الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَةِ أَخَلَّ بِهِ. وَصَرَّحَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ إذَا حَصَلَ ضِمْنًا لَا أَصْلًا وَمَقْصُودًا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَصْدِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُور. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْصِد الشَّيْئَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ، أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا وَيَحْصُلَ الْآخَرُ ضِمْنًا، وَالْمَحْذُورُ أَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ الْإِعْلَاءِ، سَوَاءٌ حَصَلَ الْإِعْلَاءُ ضِمْنًا أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَدُونَهُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ مَحْذُورٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِعْلَاءَ فَقَطْ سَوَاءٌ حَصَلَ غَيْرُ الْإِعْلَاء ضِمْنًا أَوْ لَمْ يَحْصُلْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ قَصْدَ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا يَنْضَافُ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَصْدِ غَيْرِ الْغَزْوِ فِي سَبِيل اللَّه، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْغَزْوُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . . . إلَخْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْقِتَالَ مَنْشَؤُهُ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْقُوَّة الْغَضَبِيَّةُ وَالْقُوَّةُ الشَّهْوَانِيَّةُ وَلَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا الْأَوَّلُ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إنَّمَا عَدَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَفْظِ جَوَابِ السَّائِلِ لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالْحَمِيَّةَ قَدْ يَكُونَانِ لِلَّهِ فَعَدَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ جَامِعٍ، فَأَفَادَ رَفْعَ الِالْتِبَاس وَزِيَادَةَ الْإِفْهَامِ.
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَعْمَالَ إنَّمَا تُحْتَسَبُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَة، وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِينَ يَخْتَصُّ بِمَنْ ذُكِرَ.