. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِتَعَيُّنِ السَّوْطِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ بِالسَّوْطِ. وَحَكَى الْحَافِظُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ السَّوْطُ لِلْمُتَمَرِّدِينَ وَأَطْرَافُ الثِّيَابِ وَالنِّعَالِ لِلضُّعَفَاءِ وَمَنْ عَدَاهُمْ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ كَانَتْ بِجَرِيدَتَيْنِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ «فَأَمَرَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا فَجَلَدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ جَلْدَتَيْنِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» فَيُجْمَعُ بِأَنَّ جُمْلَةَ الضَّرَبَاتِ كَانَتْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ إلَّا أَنَّ كُلَّ جَلْدَةٍ بِجَرِيدَتَيْنِ، وَهَذَا الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» وَكَذَلِكَ مَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ الْمُجْمَلَةِ. وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ فِي رِوَايَاتِ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ بِهِمَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِحَدٍّ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ الضَّرَبَاتُ بِالْجَرِيدِ مُقَدَّرَةً بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَلَمْ يَأْتِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ الضَّرَبَاتِ بِالنِّعَالِ إلَّا رِوَايَةَ النَّسَائِيّ الْمُتَقَدِّمَةَ فَإِنَّهَا مُصَرِّحَةٌ أَنَّ الضَّرْبَ كَانَ بِالنِّعَالِ فَقَطْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ.
وَوَرَدَ أَيْضًا الضَّرْبُ بِالْأَرْدِيَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الْمَذْكُورَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ فِي جَلْدِ الْوَلِيدِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّ فِي ذَلِكَ سُنَّةً ". وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَفِعْلُ الْأَرْبَعِينَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سُنَّةً مَعَ عَدَمِ الِاسْتِمْرَارِ كَمَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ. وَقِيلَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ الْأَرْبَعِينَ عَلَى التَّقْرِيبِ دُونَ التَّحْدِيدِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ فَكَانَ الضَّرْبُ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ أَرْبَعِينَ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثَمَانِينَ.
وَقَدْ ضَعَّفَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ أَرْبَعِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ، أَوْ يُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ قَوَّى الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ كَمَا رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ. وَوَثَّقَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَذْكُورَ أَبُو زُرْعَةَ وَالنَّسَائِيُّ، وَإِخْرَاجُ مُسْلِمٍ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَقْبُولِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فِيهِ: " وَكُلٌّ سُنَّةٌ. . . إلَخْ " قَالَ لِأَنَّ عَلِيًّا لَا يُرَجِّحُ فِعْلَ عُمَرَ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ " وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ إشَارَةٌ إلَى الثَّمَانِينَ الَّتِي فَعَلَهَا عُمَرُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْجَلْدُ الْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ الظَّاهِرُ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ لَا يَكُونُ سُنَّةً، بَلْ السُّنَّةُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَدْ وَقَعَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ إطْلَاقَ السُّنَّةِ