. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ «مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» . وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَا عُوقِبَ رَجُلٌ عَلَى ذَنْبٍ إلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ كَفَّارَةً لِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ» .
قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: " فَعُوقِبَ بِهِ " أَيْ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ أَوْ الرَّجْمِ فِي الزِّنَا، وَأَمَّا قَتْلُ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لَهُ عُقُوبَةٌ مَعْلُومَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ قَتْلَ النَّفْسِ فَكَنَّى عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ» . وَلَكِنْ قَوْلُهُ فِي حَدِيث الْبَابِ: فَعُوقِبَ بِهِ، هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ إرْدَاعٌ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَالطَّلَبُ لِلْمَقْتُولِ قَائِمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَقٌّ. قَالَ الْحَافِظُ: بَلْ وَصَلَ إلَيْهِ حَقٌّ، وَأَيُّ حَقٍّ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا تُكَفَّرُ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِالْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا جَاءَ الْقَتْلُ مَحَا كُلَّ شَيْءٍ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوُهُ. وَلِلْبَزَّارِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَمُرُّ الْقَتْلُ بِذَنْبٍ إلَّا مَحَاهُ فَلَوْلَا الْقَتْلُ مَا كُفِّرَتْ» .
وَلَوْ كَانَ حَدُّ الْقَتْلِ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِرْدَاعِ فَقَطْ لَمْ يُشْرَعْ الْعَفْوُ عَنْ الْقَاتِلِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ كَفَّارَةٌ لِلذَّنْبِ وَلَوْ لَمْ يَتُبْ الْمَحْدُودُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ حَزْمٍ، وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْبَغَوِيّ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ إلَى اللَّهِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ، وَرَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ تَعْذِيبَ الْفَاسِق إذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَلَمْ يَقُلْ لَا بُدّ أَنْ يُعَذِّبَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْكَفِّ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالنَّارِ عَلَى أَحَدٍ أَوْ بِالْجَنَّةِ لِأَحَدٍ إلَّا مَنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ بِعَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ) يَشْمَلُ مَنْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مَنْ تَابَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ هَلْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا.
وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَمَا لَا يَجِبُ. قَوْلُهُ: (انْطَلِقْ إلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا. . . إلَخْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَا اسْتِحْبَابُ مُفَارَقَةِ التَّائِبِ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي أَصَابَ بِهَا الذُّنُوبَ، وَالْأَخْدَانِ الْمُسَاعِدِينَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَاطَعَتِهِمْ مَا دَامُوا عَلَى حَالِهِمْ، وَأَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِمْ صُحْبَةَ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ. قَوْلُهُ: (نَصَفَ الطَّرِيقَ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ أَيْ بَلَغَ نِصْفَهَا كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ أَنْ يُحَكِّمُوا رَجُلًا يَمُرُّ بِهِمْ فَمَرَّ الْمَلَكُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَحَكَمَ بِذَلِكَ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ عَمْدًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ