. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَطْهَارِ، فَإِنَّا قَدْ حَكَيْنَا فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ إجْمَاعَهُمْ عَلَى تَعْظِيمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَلَى تَرْكِ السَّبِّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ ثَلَاثِ عَشْرَةَ طَرِيقًا، وَأَقَمْنَا الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَذَاهِبِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ مَزَلَّةُ أَقْدَامِ الْمُقَصِّرِينَ فَلَمْ يُقَابَلْ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَأَقُولُ:
إنِّي بُلِيتُ بِأَهْلِ الْجَهْلِ فِي زَمَنٍ ... قَامُوا بِهِ وَرِجَالُ الْعِلْمِ قَدْ قَعَدُوا
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّأْوِيلِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ فَغَضِبَ لِغَضَبِهِ أَوْ يَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» .
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا هُوَ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ، وَبَابِ أَنَّ الدَّفْعَ لَا يَلْزَمُ الْمَصُولَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ فَرَاجِعْهُ قَوْلُهُ: (فَقِيلَ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ) الْقَائِل هُوَ أَبُو بَكْرَةَ كَمَا وَقَعَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْقَاتِلَ قَدْ اسْتَحَقَّ النَّارَ بِذَنْبِهِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ أَيْ فَمَا ذَنْبُهُ قَوْلُهُ: (قَالَ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ) فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ " إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ ". وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ. وَأَجَابَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ فِعْلًا وَهُوَ الْمُوَاجَهَةُ بِالسِّلَاحِ وَوُقُوعُ الْقِتَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فِي النَّارِ أَنْ يَكُونَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَالْقَاتِلُ يُعَذَّبُ عَلَى الْقِتَالِ وَالْقَتْلِ وَالْمَقْتُولُ يُعَذَّبُ عَلَى الْقِتَالِ فَقَطْ، فَلَمْ يَقَعْ التَّعْذِيبُ عَلَى الْعَزْمِ الْمُجَرَّدِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا» .
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثٌ: الْهَمُّ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ يُثَابُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَاقْتِرَانُ الْفِعْلِ بِالْهَمِّ أَوْ بِالْعَزْمِ وَلَا نِزَاعَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ، وَالْعَزْمُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْهَمِّ وَفِيهِ النِّزَاعُ قَوْلُهُ: (يَتَوَجَّأُ) أَيْ يَضْرِبُ بِهَا نَفْسَهُ، وَحَدِيثُ جُنْدُبٍ الْبَجَلِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْمُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ، فَيَكُونُ عُمُومُ إخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مُخَصَّصًا بِمِثْلِ هَذَا وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ كَمَا حَقَّقْنَا ذَلِكَ مِرَارًا. وَظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ يُخَالِفُهُمَا فَإِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قَطَعَ بَرَاجِمَهُ بِالْمَشَاقِصِ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَخْبَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ الرَّجُلَ الَّذِي رَآهُ فِي الْمَنَامِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُ، وَوَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقْرِيرُ لِذَلِكَ بَلْ دَعَا لَهُ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَ نَفْسِهِ بِقَطْعِ الْبَرَاجِمِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ الضَّجَرُ وَمَا حَلَّ بِهِ مِنْ الْمَرَضِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ فَإِنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ مُرِيدًا الْقَتْلَ نَفْسَهُ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَخْلِيدِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فِي النَّارِ وَتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ مُقَيَّدَةً بِأَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلْقَتْلِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِرَجُلٍ