. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي: يَغُوثُ بْنُ عُتْبَةُ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ أَوَّلَ مَا وَقَعَتْ الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ. وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ " أَنَّهَا كَانَتْ طَيْرًا خُضْرًا خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ لَهَا رُءُوسٌ كَرُءُوسِ السِّبَاعِ ". وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَنْشَأَهَا مِنْ الْبَحْرِ كَأَمْثَالِ الْخَطَاطِيفِ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (: لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَشْدَقِ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى دِمَشْقَ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَتَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَعْضِدُ بِهَا شَجَرَةً) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَجِّ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا) أَيْ اسْتَدَلَّ بِقِتَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ فِيهَا لِغَيْرِهِ مُرَخَّصٌ فِيهِ قَوْلُهُ: (إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا) هَذَا مِنْ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ مُعَارَضَةٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِهِ وَهُوَ مُصَادِمٌ لِلنَّصِّ، وَلَا جَرَمَ فَالْمَذْكُورُ مِنْ عُتَاةِ الْأُمَّةِ النَّابِينَ عَنْ الْحَقِّ قَوْلُهُ: (وَلَا فَارًّا بِخُرْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ سَرِقَةُ الْإِبِلِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا الْخِيَانَةُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَدْ رُوِيَ بِخَزْيَةٍ بِالزَّايِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ: أَيْ بِجَرِيمَةٍ يُسْتَحْيَا مِنْهَا قَوْلُهُ: «إنَّ أَعْدَى النَّاسِ» فِي رِوَايَةٍ «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ» وَهُمَا تَفْضِيلٌ: أَيْ الزَّائِدُ فِي التَّعَدِّي أَوْ الْعُتُوّ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْعُتُوُّ: التَّكَبُّرُ وَالتَّجَبُّرُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ وُجِدَ فِي قَائِمِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابٌ «إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ» الْحَدِيثُ وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بِلَفْظٍ «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ بِلَفْظِ «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ» الْحَدِيثُ قَوْلُهُ: (بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ) جَمْعُ ذَحْلٍ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: وَهُوَ الثَّأْرُ وَطَلَبُ الْمُكَافَأَةِ وَالْعَدَاوَةِ أَيْضًا. وَالْمُرَادُ هُنَا طَلَبُ مَنْ كَانَ لَهُ دَمٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ، أَعْتَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَأَبْغَضُهُمْ إلَى اللَّهِ، وَإِلَّا فَالشِّرْكُ أَبْغَضُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، كَذَا قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُ مِنْ إقَامَةِ وَاجِبٍ، وَلَا يُؤَخَّرُ لِأَجْلِهِ عَنْ وَقْتِهِ، كَذَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عُمُومُ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْحَنَفِيَّةُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْعِتْرَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ بِالْحَرَمِ دَمًا وَلَا يُقِيمُ بِهِ حَدًّا حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَرَى أَحَدُهُمْ قَاتِلَ ابْنِهِ فَلَا يُهِيجُهُ. وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَهُ