فَقَالَ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ قَالَ: كَيْفَ قَتَلْتَهُ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَحْتَطِبُ مِنْ شَجَرَةٍ فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْته فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لَك مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِك قَالَ مَا لِي مَالٌ إلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي قَالَ: فَتَرَى قَوْمَك يَشْتَرُونَك قَالَ أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ فَرَمَى إلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ وَقَالَ دُونَك صَاحِبَك قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ فَرَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِك وَإِثْمِ صَاحِبِك فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَعَلَّهُ قَالَ بَلَى قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَبَشِيٍّ فَقَالَ إنَّ هَذَا قَتَلَ أَخِي قَالَ كَيْفَ قَتَلْته قَالَ ضَرَبْت رَأْسَهُ بِالْفَأْسِ وَلَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ قَالَ هَلْ لَكَ مَالٌ تُؤَدِّي دِيَتَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَرَأَيْت إنْ أَرْسَلْتُك تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ قَالَ لَا قَالَ فَمَوَالِيك يُعْطُونَك دِيَتَهُ قَالَ لَا قَالَ لِلرَّجُلِ خُذْهُ فَخَرَجَ بِهِ لِيَقْتُلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا إنَّهُ إنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ فَبَلَغَ بِهِ الرَّجُلُ حَيْثُ سَمِعَ قَوْلَهُ فَقَالَ هُوَ ذَا فَمُرْ فِيهِ مَا شِئْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسِلْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِ صَاحِبِهِ وَإِثْمِهِ فَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْآخِرَةُ سَكَتَ عَنْهَا أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَعَزَاهَا إلَى مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ، وَلَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ اتِّفَاقِهَا فِي الْمَعْنَى هِيَ وَالرِّوَايَةِ الْأُولَى.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جِيءَ بِرَجُلٍ قَاتِلٍ فِي عُنُقِهِ النِّسْعَةُ، قَالَ: فَدَعَا وَلِيَّ الْمَقْتُولِ فَقَالَ: أَتَعْفُو؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَقْتُلُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ بِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ: أَمَا إنَّك إنْ عَفَوْت عَنْهُ فَإِنَّهُ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ، قَالَ: فَعَفَا عَنْهُ، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْته يَجُرُّ النِّسْعَةَ» .
قَوْلُهُ: (بِنِسْعَةٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ السِّينِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: النِّسْعُ بِالْكَسْرِ: سَيْرٌ يُنْسَجُ عَرِيضًا عَلَى هَيْئَةِ أَعِنَّةِ الْبِغَالِ تُشَدُّ بِهِ الرِّحَالُ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ نِسْعَةُ وَسُمِّيَ نِسْعًا لِطُولِهِ. الْجَمْعُ نُسَعٌ بِالضَّمِّ وَنِسَعٌ بِالْكَسْرِ كَعِنَبٍ وَأَنْسَاعٌ وَنُسُوعٌ قَوْلُهُ: (نَحْتَطِبُ) مِنْ الِاحْتِطَابِ. وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ " نَخْتَبِطُ " مِنْ الِاخْتِبَاطِ. قَوْلُهُ: (إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ) قَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا بَعْدَ إذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاقْتِصَاصِ وَإِقْرَارِ الْقَاتِلِ الْقَتْلَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ " إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ " لَمْ