. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَمِيعِ اتِّفَاقَا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ. وَيُجَابُ أَوَّلًا بِأَنَّ هَذَا مَفْهُومُ صِفَةٍ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَمَلِ بِهِ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ. وَثَانِيًا بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَةَ، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " لِمُجَرَّدِ النَّهْي عَنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ فَلَا تَقْدِيرَ فِيهَا أَصْلًا. وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَسُوقٌ لِبَيَانِ الْقِصَاصِ لَا لِلنَّهْيِ عَنْ الْقَتْلِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ فَضْلًا عَنْ الْإِسْلَامِ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الرَّدِّ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تُعْرَفُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، وَكَوْنُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ مَعْلُومًا مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَعْلُومِيَّتَهُ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ كَيْفَ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ جَاءَتْ بِخِلَافِ الْقَوَاعِدِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ قَرَّرَتْهُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ فِي خُطْبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ " لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ " مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ حَيْثُ قَالَ: وَخُطْبَتُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَتْ بِسَبَبِ الْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلَتْهُ خُزَاعَةُ وَكَانَ لَهُ عَهْدٌ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «لَوْ قَتَلْت مُسْلِمًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُهُ بِهِ وَقَالَ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ " إلَى تَرْكِهِ الِاقْتِصَاصَ مِنْ الْخُزَاعِيِّ بِالْمُعَاهَدِ الَّذِي قَتَلَهُ، وَبِقَوْلِهِ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " إلَى النَّهْي عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا فَعَلَهُ الْقَاتِلُ الْمَذْكُورُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " كَلَامًا تَامًّا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّقْدِيرَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
وَيُجَابُ ثَالِثًا بِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمَعْلُومَ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ النُّحَاةِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الرَّضِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْحُكْمِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَقَعَ الْعَطْفُ وَهُوَ هُنَا النَّهْيُ عَنْ الْقَتْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ قِصَاصًا أَوْ غَيْرَ قِصَاصٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ فِي الْقِصَاصِ أَنْ تَكُونَ الْأُخْرَى مِثْلَهَا حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ الْمُدَّعَى. وَأَيْضًا تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِتَقْدِيرِ مَا أُضْمِرَ فِي الْمَعْطُوفِ مَمْنُوعٌ لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ التَّقْدِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] .
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ وَقَالَ: أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ وَبِأَنَّ ابْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ الْحَدِيثَ فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَهُ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَامٍ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ وَلَا يُجْعَلُ مِثْلُهُ إمَامًا تُسْفَكُ بِهِ دِمَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ