فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَقْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ» أَخْرَجَاهُ) .
2938 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» أَخْرَجَاهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ)
قَوْلُهُ: (أَنَّ امْرَأَةً) هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لَا تَكْتَحِلْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي أَيَّامِ عِدَّتِهَا مِنْ مَوْتِ زَوْجِهَا سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ " اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ " وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ " قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ لَا يَحِلُّ. وَإِذَا احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ؛ فَإِذَا فَعَلَتْ مَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ: " فَخَشَوْا عَلَى عَيْنِهَا " فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَنْدَهْ " وَقَدْ خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا " وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حَزْمٍ " إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا
قَالَ: لَا، وَإِنْ انْفَقَأَتْ " قَالَ الْحَافِظُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ إذَا خَافَتْ عَلَى عَيْنِهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ مُقَيَّدًا بِاللَّيْلِ. وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ الْمَرْأَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِغَيْرِ كُحْلٍ كَالتَّضْمِيدِ بِالصَّبْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ النَّهْيَ عَلَى كُحْلٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي التَّزَيُّنَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحْضَ التَّدَاوِي قَدْ يَحْصُلُ بِمَا لَا زِينَةَ فِيهِ فَلَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا فِيهِ زِينَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا) الْمُرَادُ بِالْأَحْلَاسِ: الثِّيَابُ، وَهِيَ بِمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ حِلْسٍ بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ: وَهُوَ الثَّوْبُ، أَوْ الْكِسَاءُ الرَّقِيقُ يَكُونُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةُ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا) هُوَ أَضْعَفُ مَوْضِعٍ فِيهِ كَالْأَمْكِنَةِ الْمُظْلِمَةِ وَنَحْوِهَا، وَالشَّكُّ مِنْ الرَّاوِي. قَوْلُهُ: (فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ) الْبَعْرَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَفِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ: " تَرْمِي بِبَعْرَةٍ مِنْ