عَائِشَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ)
. قَوْلُهُ: (تَبْرُقُ أَسَارِيرُ) الْأَسَارِيرُ جَمْعُ سَرَرٍ أَوْ سَرَارَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا وَيُضَمَّانِ، وَهُمَا فِي الْأَصْلِ خُطُوطُ الْكَفِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، أُطْلِقَ عَلَى مَا يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِ مَنْ سَرَّهُ أَمْرٌ مِنْ الْإِضَاءَةِ وَالْبَرِيقِ قَوْلُهُ: (إنَّ مُجَزِّزًا) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ الْأُولَى، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْجَزِّ لِأَنَّهُ جَزَّ نَوَاصِيَ الْقَوْمِ، هَكَذَا قَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ مُحْرِزٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ زَايٌ صِيغَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِالْقَافَةِ وَصِحَّةِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِمْ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُظْهِرُ السُّرُورَ إلَّا بِمَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُ وَكَانَ النَّاسُ قَدْ ارْتَابُوا فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَابْنِهِ أُسَامَةَ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ وَأُسَامَةُ أَسْوَدَ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَتَمَارَى النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا بِقَوْلٍ كَانَ يَسُوءُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْمُدْلِجِيِّ فَرِحَ بِهِ وَسَرَّى عَنْهُ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، بَلْ يُحْكَمُ بِالْوَلَدِ الَّذِي ادَّعَاهُ اثْنَانِ لَهُمَا. وَاحْتَجَّ لَهُمْ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِحَدِيثِ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْمُسْنَدِ لِلِاخْتِصَاصِ يُفِيدَانِ الْحَصْرَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحَصْرِ الْمُدَّعَى مُخَصِّصٌ لِعُمُومِهِ، فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِي مِثْلِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا وَطِئَهَا الْمَالِكُونَ لَهَا.
وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ يَحْيَى أَنَّ حَدِيثَ الْقَافَةِ مَنْسُوخٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ، وَمُجَرَّدُ دَعْوَاهُ بِلَا بُرْهَانٍ كَمَا لَا يَنْفَعُ الْمُدَّعِي لَا يَضُرُّ خَصْمَهُ. وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ مُجَزِّزٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْرِفُ الْقَائِفُ بِزَعْمِهِ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ مِنْ مَاءِ ذَاكَ، لَا أَنَّهُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ، فَيُجَابُ بِأَنَّ فِي اسْتِبْشَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّقْرِيرِ مَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ مُخَالِفٌ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ لَقَالَ لَهُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. لَا يُقَالُ: إنَّ أُسَامَةَ قَدْ ثَبَتَ فِرَاشُ أَبِيهِ شَرْعًا، وَإِنَّمَا لَمَّا وَقَعَتْ الْقَالَةُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ، وَكَانَ قَوْلُ الْمُدْلِجِيِّ الْمَذْكُورُ دَفْعًا لَهَا لِاعْتِقَادِهِمْ فِيهِ الْإِصَابَةَ وَصِدْقَ الْمَعْرِفَةِ، اسْتَبْشَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِمِثْلِ هَذَا التَّقْرِيرِ عَلَى إثْبَاتِ أَصْلِ النَّسَبِ
لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَتْ الْقَافَةُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا إلَّا مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مَعَ مِثْلِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا مَقَالَةَ السُّوءِ لَمَا قَرَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلِهِ " هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ " وَهُوَ فِي قُوَّةِ: هَذَا ابْنُ هَذَا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلْإِلْحَاقِ بِالْقَافَةِ مُطْلَقًا لَا إلْزَامٌ لِلْخَصْمِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ، وَلَا سِيَّمَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ إنْكَارُ كَوْنِهَا طَرِيقًا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ حَتَّى يَكُونَ تَقْرِيرُهُ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ عَلَى مُضِيِّ كَافِرٍ. إلَى كَنِيسَةٍ وَنَحْوُهُ مِمَّا عُرِفَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْكَارُهُ قَبْلَ السُّكُوتِ عَنْهُ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ