كِتَابُ الْخُلْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتَ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثٍ مِنْ أَصَابِعِهِ كَانَ ذَلِكَ ثَلَاثًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الطَّلَاقَ يَتْبَعُ الطَّلَاقَ
وَأَوْرَدَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ وَحَدِيثَ قُتَيْلَةَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ، كَانَ كَالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ لَغْوًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الْأُولَى فِي الْحَالِ، وَوَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ قَابِلَةً لَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ إذَا جَاءَ بِهَا مُوقِعٌ لِمَجْمُوعِ الطَّلَاقَيْنِ عَلَيْهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ ثُمَّ فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ مَعَ تَرَاخٍ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فِي حُكْمِ الْمُوقِعِ لِطَلَاقٍ بَعْدَهُ طَلَاقٌ مُتَرَاخٍ عَنْهُ. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - فِي سَبَبِ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت، وَإِذْنِهِ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ -: إنَّ الْمَشِيئَةَ إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] قَالَ: فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دُونَ خَلْقِهِ، وَأَنَّ مَشِيئَتَهُمْ لَا تَكُونُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَيُقَالُ لِرَسُولِهِ: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْت، وَلَا يُقَالُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت، انْتَهَى
وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّجُلِ الَّذِي خَطَبَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الضَّمِيرَيْنِ وَأَرْشَدَهُ إلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَوْسِيطَ الْوَاوِ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ قَوْلِهِ: " وَمَنْ يَعْصِهِمَا " وَلَوْ كَانَتْ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى عِلَّةِ هَذَا النَّهْيِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بَابِ اشْتِمَالِ الْخُطْبَةِ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ مِنْ أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ فِي بَيَانِ وَجْهِ اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثَيْ الْمَشِيئَةِ وَحَدِيثِ الْخُطْبَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِإِيرَادِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مُجَرَّدَ التَّنْظِيرِ لَا الِاسْتِدْلَالِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَعَدِّدَ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ أَلْفَاظٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ بِثُمَّ أَوْ الْوَاوِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا يَكُونُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَدْخُولَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ
وَأَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ حُكْمُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ خَطَرَاتِ الْقَلْبِ مَغْفُورَةٌ لِلْعِبَادِ إذَا كَانَتْ فِيمَا فِيهِ ذَنْبٌ، فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ حُكْمًا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ، فَلَا يَكُونُ حُكْمُ خُطُورِ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ أَوْ إرَادَتِهِ حُكْمَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْإِنْشَاءَاتِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ انْتَهَى. وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.