. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ النِّكَاحِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْمَلَاذِّ إلَى الْعِبَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] انْقَطِعْ إلَيْهِ انْقِطَاعًا، وَفَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ بِالْإِخْلَاصِ وَهُوَ لَازِمٌ لِلِانْقِطَاعِ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا) الْخَصْيُ: هُوَ شَقُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَانْتِزَاعُ الْبَيْضَتَيْنِ
قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَتَبَتَّلْنَا، لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إلَى قَوْلِهِ: " لَاخْتَصَيْنَا " لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ: أَيْ لَبَالَغْنَا فِي التَّبَتُّلِ حَتَّى يُفْضِيَ بِنَا الْأَمْرُ إلَى الِاخْتِصَاءِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاءِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الِاخْتِصَاءِ وَأَصْلُ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ يَشُقُّ عَلَيَّ الْعُزُوبَةُ فَأْذَنْ لِي فِي الِاخْتِصَاءِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ» الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي فِي الِاخْتِصَاءِ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ» وَأَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الطَّبَرِيُّ
قَوْلُهُ: (إنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) أَصْلُ الْحَدِيثِ «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ» قَوْلُهُ: (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِاقْتِصَادُ فِي الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ فِيهَا وَالتَّشْدِيدَ عَلَيْهَا يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْجَمِيعِ، وَالدِّينُ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، وَالشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّيْسِيرِ وَعَدَمِ التَّنْفِيرِ. قَوْلُهُ: (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ: الطَّرِيقَةُ، وَالرَّغْبَةِ: الْإِعْرَاضُ وَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التَّارِكَ لِهَدْيِهِ الْقَوِيمِ الْمَائِلِ إلَى الرَّهْبَانِيَّةِ خَارِجٌ عَنْ الِاتِّبَاعِ إلَى الِابْتِدَاعِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْكَلَامَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي مَوَاطِنَ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً) قِيلَ: مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: " فَإِنَّ خَيْرَنَا كَانَ أَكْثَرَنَا نِسَاءً " وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِإِخْرَاجِ مِثْلِ سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ نِسَاءً. وَقِيلَ: أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ خَيْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَنْ كَانَ أَكْثَرَهَا نِسَاءً مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْخَيْرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِالْأُمَّةِ: أَخِصَّاءُ أَصْحَابِهِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ تَرْكَ التَّزْوِيجِ مَرْجُوحٌ إذْ لَوْ كَانَ رَاجِحًا مَا آثَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَهُ
قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ) قَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا النَّهْيِ، وَبِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ " فَلْيَتَزَوَّجْ " وَبِقَوْلِهِ: " فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي " وَبِسَائِرِ مَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ الْأَوَامِرِ وَنَحْوِهَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ النِّكَاحِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الرَّجُلَ فِي التَّزْوِيجِ إلَى أَقْسَامٍ: التَّائِقُ إلَيْهِ الْقَادِرُ عَلَى مُؤَنِهِ الْخَائِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَهَذَا يُنْدَبُ لَهُ النِّكَاحُ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَجِبُ، وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ