. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ جَازَ النَّقْضُ لَكَانَ الْوَقْفُ صَدَقَةً مُنْقَطِعَةً، وَقَدْ وَصَفَهُ فِي الْحَدِيثِ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ " كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِمَاهِيَّةِ التَّحْبِيسِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا عُمَرَ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ الْوَقْفِ وَعَدَمِ جَوَازِ نَقْضِهِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ تَحْبِيسًا، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ تَحْبِيسٌ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا: «خَيْرُ مَا يُخَلِّفُهُ الرَّجُلُ بَعْدَهُ ثَلَاثٌ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا، وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَالْجَرْيُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ النَّقْضِ مِنْ الْغَيْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ وَقْفُ أَبِي طَلْحَةَ الْآتِي وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: «أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ: " أَنَّ حَسَّانَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْهُ " فَمَعَ كَوْنِ فِعْلِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ وَقْفُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ وَسَعِيدٌ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَأَنَسٌ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْهُ أَيْضًا وَقْفُ عُثْمَانَ لِبِئْرِ رُومَةَ
كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ: لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ» وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ
وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْسِ الْمَذْكُورِ: تَوْقِيفُ الْمَالِ عَنْ وَارِثِهِ وَعَدَمِ إطْلَاقِهِ إلَى يَدِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: أَرَادَ حَبْسَ الْجَاهِلِيَّةِ لِلسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ سَلَّمْنَا فَلَيْسَ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ مَنْعُ الْوَقْفِ لِافْتِرَاقِهِمَا انْتَهَى وَأَيْضًا لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَبْسُ الشَّامِلُ لِلْوَقْفِ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَكَانَ مُخَصَّصًا بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ
وَاحْتُجَّ لَهُمْ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ حُكْمِ الْوَقْفِ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ: (أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي ذَكَرْت صَدَقَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتهَا) وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَأَنَّ الَّذِي مَنَعَ عُمَرَ مِنْ الرُّجُوعِ كَوْنُهُ ذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَرِهَ أَنْ يُفَارِقَهُ عَلَى أَمْرٍ ثُمَّ يُخَالِفَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَأَفْعَالِهِمْ إلَّا إذَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقَعْ هَهُنَا وَأَيْضًا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ الزُّهْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ فَالْحَقُّ أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ الْقُرُبَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ نَقْضُهَا بَعْدَ فِعْلِهَا لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَنْفُذُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِلَّا فَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ وَمِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحْبِيسِ قَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ، وَإِلْحَاقُهُ بِالصَّدَقَةِ إلْحَاقٌ مَعَ الْفَارِقِ قَوْلُهُ: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَغَوِيِّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ بِمُدٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ