عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ)
الْحَدِيثُ قَالَ الْحَافِظُ: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بِلَفْظِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَقَالَ: إنَّمَا نَرْوِي هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ غَيْرَ مَرْفُوعٍ قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ قَوْلُهُ: (الْوَدِيعَةُ) هِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السُّكُونِ، يُقَالُ: وَدَعَ الشَّيْءُ يَدَعُ: إذَا سَكَنَ، فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الدَّعَةِ وَهِيَ خَفْضُ الْعَيْشِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ بِالِانْتِفَاعِ وَفِي الشَّرْعِ: الْعَيْنُ الَّتِي يَضَعُهَا مَالِكُهَا عِنْدَ آخَرَ لِيَحْفَظَهَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ إجْمَاعًا
وَالْعَارِيَّةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى عَوَارِيَّ مُشَدَّدًا وَفِي الشَّرْعِ إبَاحَةُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهِيَ أَيْضًا مَشْرُوعَةٌ إجْمَاعًا قَوْلُهُ: (لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَ أَمِينًا عَلَى عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ كَالْوَدِيعِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَمَّا الْوَدِيعُ فَلَا يَضْمَنُ قِيلَ: إجْمَاعًا إلَّا لِجِنَايَةٍ مِنْهُ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَأَوَّلَ مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْوَدِيعَ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمَانِ التَّفْرِيطِ لَا الْجِنَايَةِ الْمُتَعَمَّدَةِ، وَالْوَجْهُ فِي تَضْمِينِهِ الْجِنَايَةَ أَنَّهُ صَارَ بِهَا خَائِنًا، وَالْخَائِنُ ضَامِنٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَالْمُغِلُّ: هُوَ الْخَائِنُ، وَهَكَذَا يَضْمَنُ الْوَدِيعُ إذَا وَقَعَ مِنْهُ تَعَدٍّ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْخِيَانَةِ وَأَمَّا الْعَارِيَّةُ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعَدٍّ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ إلَى الْجُمْهُورِ: إنَّهَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَهَا إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَشُرَيْحٍ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَإِنْ شُرِطَ الضَّمَانُ وَعِنْدَ الْعِتْرَةِ وَقَتَادَةَ وَالْعَنْبَرِيِّ: أَنَّهُ إذَا شُرِطَ الضَّمَانُ كَانَتْ مَضْمُونَةً وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَالِكٍ وَالْبَتِّيِّ أَنَّ غَيْرَ الْحَيَوَانِ مَضْمُونٌ، وَالْحَيَوَانَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَعَدِّي بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَبِقَوْلِهِ «لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ»