. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْلُومَةِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَلَا مَضْمُونًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ مَنَعَ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: " وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ. . . إلَخْ " مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَذَرْ الْمُخَابَرَةَ فَلْيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُخَابَرَةِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ» الْحَدِيثَ، وَمِثْلُ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ» وَحَدِيثِ رَافِعٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ طَرَفًا مِنْهَا، وَأَوْرَدْنَا بَعْضًا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ
قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْهَ عَنْهَا) هَذَا لَا يُنَافِي رِوَايَةَ مَنْ رَوَى النَّهْيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَكِنْ قَوْلُهُ: " لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ. . . إلَخْ " يَصْلُحُ جَعْلُهُ قَرِينَةً لِصَرْفِ النَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا سَلَفَ، وَقَوْلُهُ: " يَمْنَحَ " بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَيَجُوزُ كَسْرُ النُّونِ، وَالْمُرَادُ يَجْعَلُهَا مَنِيحَةً: أَيْ: عَطِيَّةً وَعَارِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَكَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمْ الْمُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. قَوْلُهُ: (فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُحْرِثْهَا) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا
قَوْلُهُ: (فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ تَعْطِيلَ الْأَرْضِ عَنْ الزِّرَاعَةِ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاَلَّتِي سَلَفَتْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْأَرْضِ بِغَيْرِ زِرَاعَةٍ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الْقَاضِيَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِحَمْلِ النَّهْيِ عَنْ الْإِضَاعَةِ عَلَى إضَاعَةِ عَيْنِ الْمَالِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا يَخْلُفُهَا مَنْفَعَةٌ، وَالْأَرْضُ إذَا تُرِكَتْ بِغَيْرِ زَرْعٍ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَتُهَا، فَإِنَّهَا قَدْ تُنْبِتُ مِنْ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَسَائِرِ الْكَلَإِ مَا يَنْفَعُ فِي الرَّعْيِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ لِلزَّرْعِ عَنْ الْأَرْضِ إصْلَاحًا لَهَا فَتُخْلِفُ فِي السَّنَةِ الَّتِي تَلِيهَا مَا لَعَلَّهُ فَاتَ فِي سَنَةِ التَّرْكِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ حُمِلَ النَّهْيُ عَلَى عُمُومِهِ
فَأَمَّا لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا كَانَ مَأْلُوفًا لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَعْطِيلَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الزِّرَاعَةِ، بَلْ يُكْرِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَبِالْإِجْمَاعِ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ. . . إلَخْ) اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِالْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَغَيْرِهَا لَمْ يَجِبْ