مَظْلِمَةٌ مِنْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ)
بَابُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَأَقَلَّ
2328 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَذَلِكَ عَقْلُ الْعَمْدِ، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (مَظْلِمَةٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ التِّينِ وَالْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ، وَحَكَى الْقَزَّازُ الضَّمَّ قَوْلُهُ: (أَوْ شَيْءٍ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَالُ بِأَصْنَافِهِ وَالْجِرَاحَاتُ حَتَّى اللَّطْمَةُ وَنَحْوُهَا قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ) أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَوْلُهُ: (أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ) أَيْ: صَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ " فَحُمِلَ عَلَيْهِ " أَيْ: عَلَى الظَّالِمِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ " فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ " وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَوْضَحُ سِيَاقًا مِنْ هَذَا، وَلَفْظُهُ: «الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ وَطُرِحَ فِي النَّارِ» وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ وَظُلْمِهِ، وَلَمْ يُعَاقَبْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْهُ بَلْ بِجِنَايَتِهِ، فَقُوبِلَتْ الْحَسَنَاتُ بِالسَّيِّئَاتِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ عَدْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ لِإِطْلَاقِهِ وَزَعَمَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَظْلِمَةٌ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ مُشَارًا إلَيْهَا قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ التَّقْدِيرُ حَيْثُ يَقْتَصُّ الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَسْقَطَ الْمَظْلُومُ حَقَّهُ فِي الدُّنْيَا هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُهُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ أُطْلِقَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، نَعَمْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ التَّحْلِيلِ مِنْ الْمُعَيَّنِ الْمَعْلُومِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَوْجُودَةً صَحَّتْ هِبَتُهَا دُونَ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَّلَ خَصْمَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَمَّا الْمَعْلُومُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَعِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ فِيمَا مَضَى بِاتِّفَاقٍ وَأَمَّا فِيمَا سَيَأْتِي فَفِيهِ الْخِلَافُ