عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي السَّلَمِ فِي مُنْقَطِعِ الْجِنْسِ حَالَةَ الْعَقْدِ)
قَوْلُهُ: (كِتَابُ السَّلَمِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ كَالسَّلَفِ وَزْنًا وَمَعْنًى. وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ السَّلَفَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالسَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقِيلَ: السَّلَفُ تَقْدِيمُ رَأْسِ الْمَالِ، وَالسَّلَمُ تَسْلِيمُهُ فِي الْمَجْلِسِ، فَالسَّلَفُ أَعَمُّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالسَّلَمُ شَرْعًا: بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ، وَزِيدَ فِي الْحَدِّ بِبَدَلٍ يُعْطَى عَاجِلًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي حَقِيقَتِهِ قَالَ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ شُرُوطِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ أَمْ لَا؟ اهـ
قَوْلُهُ: (يُسْلِفُونَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَوْلُهُ: (السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً " وَالسَّنَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ سَنَتَيْنِ وَعَامَيْنِ قَوْلُهُ: (فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ) اُحْتُرِزَ بِالْكَيْلِ عَنْ السَّلَمِ فِي الْأَعْيَانِ، وَبِقَوْلِهِ: " مَعْلُومٍ " عَنْ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، «وَقَدْ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْلِمُونَ فِي ثِمَارِ نَخِيلٍ بِأَعْيَانِهَا، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ» لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، إذْ قَدْ تُصَابُ تِلْكَ النَّخِيلُ بِعَاهَةٍ فَلَا تُثْمِرُ شَيْئًا قَالَ الْحَافِظُ: وَاشْتِرَاطُ تَعْيِينِ الْكَيْلِ فِيمَا يُسْلَمُ فِيهِ مِنْ الْمَكِيلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِ الْمَكَايِيلِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَلَدِ سِوَى كَيْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
قَوْلُهُ: (إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَالًّا، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ، قَالُوا:؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا مَعَ الْغَرَرِ فَجَوَازُهُ حَالًّا أَوْلَى، وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ لِأَجْلِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا وَتُعُقِّبَ بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّ التَّأْجِيلَ شَرْطٌ فِيهَا وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكِتَابَةِ