وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» .
2193 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» )
قَوْلُهُ: (إذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا) وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ: مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ مَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِمُطْلَقِ الطَّعَامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فِي جَمِيعِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْأَحَادِيثُ تَرُدّ عَلَيْهِ فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ بِحَقِيقَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ الْمُرَادِفِ لِلْبُطْلَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَحَكَى فِي الْفَتْحِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ، فَأَجَازَ بَيْعَ الْجُزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْجُزَافَ يُرَى فَيَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ، وَالِاسْتِبْقَاءُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
قَالُوا: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ الْجُزَافِ، وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِإِطْلَاقِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِنَصِّ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْتَاعُونَ جُزَافًا الْحَدِيثَ، وَيَدُلُّ لِمَا قَالُوا: حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ مَبِيعٍ، وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ اللَّذَيْنِ احْتَجَّ بِهِمَا مَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ بِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى كَوْنِ الطَّعَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْ بَيْعِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهِ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَابِ إلَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا