. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ: الشِّقّ وَالْقَطْعُ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ أَنَّهُ يُشَقُّ حَلْقُهَا بِالذَّبْحِ وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْعَقِيقَةِ عَلَى شَعْرِ الْمَوْلُودِ وَجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ الْأَصْلَ، وَالشَّاةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا) تَمَسَّكَ بِهَذَا وَبِبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِتْرَةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا وَلَا سُنَّةً. وَقِيلَ: إنَّهَا عِنْدَهُ تَطَوُّعٌ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» وَسَيَأْتِي وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ لِتَفْوِيضِهِ إلَى الِاخْتِيَارِ. فَيَكُونُ قَرِينَةً صَارِفَةً لِلْأَوَامِرِ وَنَحْوِهَا عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى الِاخْتِيَارِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّفْوِيضُ سُنَّةً وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى أَنَّ الْعَقِيقَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَتْ بِالْأُضْحِيَّةِ وَتَمَسَّكَ بِمَا سَيَأْتِي وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقِيقَةَ جَاهِلِيَّةٌ مَحَاهَا الْإِسْلَامُ وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) الْمُرَادُ احْلِقُوا مِنْهُ شَعْرَ رَأْسِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنِ الْأَذَى حَلْقَ الرَّأْسِ وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْ تَفْسِيرِ الْأَذَى وَقَدْ جَزَمَ الْأَصْمَعِيُّ بِأَنَّهُ حَلْقُ الرَّأْسِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ كَذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَذَى عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَيُمَاطُ عَنْهُ أَقْذَارُهُ. رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ.
قَوْلُهُ: (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذَا فَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَهُوَ طِفْلٌ وَلَمْ يَعُقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ لِأَبَوَيْهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَازِمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا فَشَبَّهَ لُزُومَهَا لِلْمَوْلُودِ بِلُزُومِ الرَّهْنِ لِلْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. وَقِيلَ إنَّهُ مَرْهُونٌ بِالْعَقِيقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَا يُحْلَقُ شَعْرُهُ إلَّا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: يُذْبَحُ وَبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْقَرِيبُ عَنْ قَرِيبِهِ وَالشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَقِيقَةِ سَابِعُ الْوِلَادَةِ، وَأَنَّهَا تَفُوتُ بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ إنْ مَاتَ قَبْلَهُ. وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ فَاتَ السَّابِعُ الْأَوَّلُ فَالثَّانِي وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ تُذْبَحَ الْعَقِيقَةُ فِي السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَفِي الرَّابِعَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَيَوْمِ أَحَدِ وَعِشْرِينَ.
وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ صَرِيحًا إلَّا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ