كِتَابُ الْعَقِيقَةِ وَسُنَّةُ الْوِلَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي هَذِهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ تُسَارِعُ إلَيْهِ الدَّوَابُّ الَّتِي لَا تَعْقِلُ لِإِرَاقَةِ دَمِهَا تَبَرُّكًا بِهِ فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ الْبَهِيمِيِّ أَهْدَى مِنْ أَكْثَرِهِ وَأَعْرَفَ؟ تَقْرُبُ هَذِهِ الْعُجْمُ إلَيْهِ لِإِزْهَاقِ أَرْوَاحِهَا وَفَرْيِ أَوْدَاجِهَا وَتَتَنَافَسُ فِي ذَلِكَ وَتَتَسَابَقُ إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهَا لَا تَرْجُو جَنَّةً وَلَا تَخَافُ نَارًا، وَيَبْعُدُ ذَلِكَ النَّاطِقُ الْعَاقِلُ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ يَنَالُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ النَّعِيمَ الْآجِلَ وَالْعَاجِلَ وَلَا يُصِيبُهُ ضَرَرٌ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ حَتَّى قَالَ الْقَائِلُ مُظْهِرًا لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى قَتْلِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ مُحَمَّدُ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا، وَأَرَاقَ الْآخَرُ دَمَهُ وَكَسَرَ ثَنِيَّتَهُ فَانْظُرْ إلَى هَذَا التَّفَاوُتِ الَّذِي يَضْحَكُ مِنْهُ إبْلِيسُ، وَلِأَمْرٍ مَا كَانَ الْكَافِرُ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (فَلِمَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا) أَيْ: سَقَطَتْ إلَى الْأَرْضِ جُنُوبُهَا وَالْوُجُوبُ: السُّقُوطُ. قَوْلُهُ: (مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ) أَيْ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَقْتَطِعَ مِنْهَا فَلْيَقْتَطِعْ، هَذَا مَحَلُّ الْحُجَّةِ عَلَى جَوَازِ انْتِهَابِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ انْتِهَابِ نِثَارِ الْعَرُوسِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْبَغَوِيّ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ قِيَاسُ انْتِهَابِ النِّثَارِ عَلَى انْتِهَابِ الْأُضْحِيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَتْ فِي النِّثَارِ وَانْتِهَابِهِ أَحَادِيثُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ ذِكْرِهَا وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى كَرَاهَةِ انْتِهَابِ النِّثَارِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعِكْرِمَةَ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ النُّهْبَى وَهُوَ يَعُمُّ كُلَّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ انْتِهَابٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا مَا خُصَّ بِمُخَصِّصٍ صَالِحٍ.