بَابُ الْأَكْلِ وَالْإِطْعَامِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَجَوَازُ ادِّخَارِ لَحْمِهَا وَنَسْخِ النَّهْيِ عَنْهُ
2131 - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيُجْمِلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْت أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةُ مَذَاهِبَ أَرْجَحُهَا الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَهِيَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَابٍ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ فَقَالَ: قُلْنَا: لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، يَعْنِي: حَدِيثَ جُبَيْرٍ، أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ تَرْكِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ مِنْهُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لَا يُعَدُّ قَادِحًا وَأَشَفُّ مَا جَاءَ بِهِ مَنْ مَنَعَ مِنْ الذَّبْحِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي النَّهْيِ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، قَالُوا: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَكْلُ، وَنَسْخُ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ وَقْتِ الذَّبْحِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى نَهْيِ الذَّابِحِ أَنْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهِ، فَلَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَجَازَ لَهُ الِادِّخَارُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ فِي لَيَالِي أَيَّامِ الذَّبْحِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ: إنَّهُ يَجُوزُ مَعَ كَرَاهَةٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ بَلْ يَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَبِالْكَرَاهَةِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَمُجَرَّدُ ذِكْرِ الْأَيَّامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى إخْرَاجِ اللَّيَالِي بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِالْأَيَّامِ عَنْ مَجْمُوعِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، وَالْعَكْسُ مَشْهُورٌ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَكَادُ يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الذَّبْحِ لَيْلًا» فَفِي إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ أَيْضًا مَتْرُوكٌ، وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْحَسَنِ نُهِيَ عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ وَحَصَادِهِ وَالْأَضْحَى بِاللَّيْلِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ مُقْتَضِيَةً لِلرَّفْعِ مُرْسَلٌ.