. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ: لَا خَفَاءَ فِي نُكْرَةِ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ وَوَهَنِهِ وَبُطْلَانِهِ. وَالْعَجَبُ كَيْفَ جَازَ عَلَى مَنْ رَوَاهُ. قَالَ: وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِلْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنْ تُخَرَّجَ رِوَايَتُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: إنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِحَجٍّ أَوْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يَحِلُّوا، إنَّهَا عَنَتْ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ قَدْ خَالَفَهُمَا وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَهُ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِعَائِشَةَ ثُمَّ إنَّ حَدِيثَيْهِمَا مَوْقُوفَانِ غَيْرُ مُسْنَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا ذُكِرَ عَنْهَا فِعْلُ مَنْ فَعَلَ مَا ذَكَرَتْ دُونَ أَنْ تَذْكُرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَحِلُّوا وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَاهُ، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْفَسْخِ، فَتَمَادَى الْمَأْمُورُونَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَحِلُّوا لَكَانُوا عُصَاةً لِلَّهِ، وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَرَّأَهُمْ مِنْهُ، قَالَ: فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّ حَدِيثَ أَبِي الْأَسْوَدِ وَيَحْيَى إنَّمَا عَنَى فِيهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَهَكَذَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ حَجًّا مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ الْفَسْخِ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ فَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ صِيَانَةً لِلْعِبَادَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا لَمْ تَتَبَيَّنْ السُّنَّةُ، فَإِذَا ثَبَتَ فَالِاحْتِيَاطُ هُوَ اتِّبَاعُهَا وَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ نَوْعَانِ: احْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ. وَلَا يَخْفَى رُجْحَانُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْفَسْخِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهُ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ؛ وَإِذَا تَعَذَّرَ الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ تَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَمِنْ مُتَمَسَّكَاتِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِمُخَالَفَتِهِ الْجَاهِلِيَّةَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَمَرَ قَبْل ذَلِكَ ثَلَاثَ عُمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا سَلَفَ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ جَوَازَ الِاعْتِمَارِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ فَقَالَ: " مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ " الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَقَدْ عَلِمُوا جَوَازَهَا بِهَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفَسْخِ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ لَكَانَ أَفْضَلَ لِأَجْلِهَا فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَاسِكِ لِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ مَشْرُوعٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّ عُمْرَةَ الْفَسْخِ لِلْأَبَدِ " كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ الْكَلَامَ عَلَى الْفَسْخِ، وَرَجَّحَ وُجُوبَهُ وَبَيَّنَ بُطْلَانَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْهُ، فَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى جَمِيعِ ذُيُولِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُرَاجِعْهُ، وَإِذَا كَانَ الْمَوْقِعُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَضِيقِ هُوَ إفْرَادَ الْحَجِّ فَالْحَازِمُ الْمُتَحَرِّي لِدِينِهِ الْوَاقِفُ عِنْدَ مُشْتَبِهَاتِ الشَّرِيعَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ حَجَّهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ تَمَتُّعًا أَوْ قِرَانًا فِرَارًا مِمَّا هُوَ مَظِنَّةُ