أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " بَرِيدًا ")
. قَوْلُهُ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ. . . إلَخْ) فِيهِ مَنْعُ الْخُلُوِّ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَتَجُوزُ الْخَلْوَةُ مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُومُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ مَقَامَهُ فِي هَذَا كَالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ؟ فَقِيلَ: يَجُوزُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَحْرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ) أَطْلَقَ السَّفَرَ هَهُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ عَمِلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْدِيرَات. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّحْدِيدِ ظَاهِرَهُ بَلْ كُلُّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا، فَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ إلَّا بِالْمَحْرَمِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحْدِيدُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ فَلَا يُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مَوَاطِنَ بِحَسَبِ السَّائِلِينَ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْيَوْمَ الْمُفْرَدَ وَاللَّيْلَةَ الْمُفْرَدَةَ بِمَعْنَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، يَعْنِي فَمَنْ أَطْلَقَ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَةً أَرَادَ بِيَوْمِهَا. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَوَائِلِ الْأَعْدَادِ، فَالْيَوْمُ أَوَّلُ الْعَدَدِ، وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ التَّكْثِيرِ، وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الثَّلَاثِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا دُونَهَا، فَيُؤْخَذُ بِأَقَلَّ مَا يُورَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْبَرِيدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَحْرَمِ فِيمَا دُونَ الْبَرِيدِ، وَلَفْظُ «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ» وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ: أَعْنِي الْأَخْذَ بِأَقَلَّ مَا وَرَدَ لِأَنَّ مَا فَوْقَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْأَوْلَى، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى مَا فَوْقَهُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الثَّلَاثِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالْيَوْمَيْنِ وَاللَّيْلَتَيْنِ لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ الْأَكْثَرِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَكْثَرِ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَقَلِّ مَنْطُوقٌ وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ الْمَفْهُومِ
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ.: إنَّ الْمَنْعَ مُقَيَّدٌ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهَا وَطَرْحُ مَا سِوَاهَا فَإِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَقَلَّ مَا وَرَدَ وَهِيَ رِوَايَةُ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ إنْ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَرِوَايَةُ الْبَرِيدِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ لَا الْقَرِيبَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا. وَإِلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ شَرْطًا فِي الْحَجِّ ذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ هَلْ هُوَ شَرْطُ أَدَاءً أَوْ شَرْطُ وُجُوبٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ: إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي سَفَرِ الْفَرِيضَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلُوهُ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِجْمَاعِ. وَمِنْ جُمْلَةِ سَفَرِ الْفَرِيضَةِ سَفَرُ الْحَجِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ سَفَرُ الضَّرُورَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ سَفَرُ الِاخْتِيَارِ، كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَأَيْضًا قَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ