نيل الاوطار (صفحة 1512)

قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسِ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَوْلُهُ: (إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ. . . إلَخْ) قِيلَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ قَالَتْ: " إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ " كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ سَأَلَتْ عَنْ كُلٍّ مِنْ: الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ «امْرَأَةً قَالَتْ: إنَّ أُمِّي وَفِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صَوْمِي عَنْهَا، قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا» قَوْلُهُ: (قَالَ نَعَمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ بِالْحَجِّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ، فَإِذَا حَجَّ أَجْزَأَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ عَنْ النَّذْرِ

وَقِيلَ يُجْزِئ عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ يَحُجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.

وَقِيلَ: يُجْزِي عَنْهُمَا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى إجْزَاءِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْوَلَدِ وَكَذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: «اُقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ. وَعَنْ مَالِكٍ: إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلْيَحُجَّ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ: (أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُجَهِّزَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ دُيُونِهِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، ذَلِكَ مَا شُبِّهَ بِهِ فِي الْقَضَاءِ، وَيَلْحَقُ بِالْحَجِّ حَقٌّ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَقَّ اللَّهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ سَوَاءٌ قَوْلُهُ: (جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي. . . إلَخْ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ مُتَعَدِّدَةً وَأَنْ تَكُونَ مُتَّحِدَةً وَلَكِنَّ النَّذْرَ وَقَعَ مِنْ الْأُخْتِ وَالْأُمِّ، فَسَأَلَ الْأَخُ عَنْ نَذْرِ أُخْتِهِ وَالْبِنْتِ عَنْ نَذْرِ الْأُمِّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى صِحَّةِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ لِعَدَمِ اسْتِفْصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَخِ هَلْ هُوَ وَارِثٌ أَوْ لَا؟ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ أَنْ يَحُجَّ نِيَابَةً عَنْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ اسْتِفْصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ فَخَصُّوهُ بِمَنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي بَابِ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلُهُ: (إنَّ أَبِي مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ وَصِيَّةٌ وَلَا نَذْرٌ، وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ حَدِيثُ الَّذِي سَمِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، وَسَيَأْتِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015