) .
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَلَفْظُهُ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَصُومَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ الْبِيضِ: ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ وَخَمْسَ عَشَرَةَ» - وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَقَفَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مِلْحَانَ الْقَبِيسِيّ عَنْ أَبِيهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رُوِيَ مَوْقُوفًا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ أَشْبَهُ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْآخَرُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ» . وَعَنْ حَفْصَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» .
وَعَنْ عَائِشَةَ غَيْرُ حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَتْ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُبَالِي أَيُّ الشَّهْرِ صَامَ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِلَفْظِ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» وَسَيَأْتِي. وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ إيَاسٍ الْمُزَنِيّ وَأَبِي عَقْرَبٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ: (فَصُمْ ثَلَاثَ عَشَرَةَ) . . . إلَخْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُعَيَّنَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثُ الْمَذْكُورَةُ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا ثَالِثَ عَشَرَ وَرَابِعَ عَشَرَ، وَخَامِسَ عَشَرَ. وَقِيلَ: هِيَ الثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَاهُ يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. . . إلَخْ) اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ الْمُسْتَحَبَّةِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَفَسَّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَيَّامِ الْبِيضِ. وَيُشْكَلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ: «لَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ صَامَ» . وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ قَدْ أَخْبَرَ بِهِ أُمَّتَهُ وَوَصَّاهُمْ بِهِ وَعَيَّنَهُ لَهُ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الثَّلَاثِ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ.
وَاخْتَارَ النَّخَعِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهَا آخِرُ الشَّهْرِ وَاخْتَارَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِهِ. وَاخْتَارَتْ عَائِشَةُ وَآخَرُونَ صِيَامَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ عِدَّةِ شَهْرٍ، ثُمَّ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عَنْهَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: