أَلَيْسَ كَانَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ مُخْتَصَرًا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ» وَفِي الْبَابِ عَنْ حَسَّانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ لِلنِّسَاءِ، فَتَحْرِيمُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ تُؤْخَذُ مِنْهَا بِفَحْوَى الْخِطَابِ مِنْهَا عَنْ ابْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكِ مِنْ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: أَتَيْت أَهْلَ هَذَا الْمَيِّتِ فَرَحِمْت مَيِّتَهُمْ فَقَالَ لَهَا: فَلَعَلَّكِ بَلَغْت مَعَهُمْ الْكُدَى، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ وَقَدْ سَمِعْتُك تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ» فَقَالَ: لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمْ الْكُدَى فَذَكَرَ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ، فَسَأَلْت رَبِيعَةَ مَا الْكُدَى؟ فَقَالَ: الْقُبُورُ فِيمَا أَحْسِبُ وَفِي رِوَايَةٍ «لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمْ الْكُدَى مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ» قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَفِيمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ عِنْدِي نَظَرٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحِ شَيْئًا فِيمَا أَعْلَمُ، وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ قَالَتْ: «نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» وَعَنْهَا أَيْضًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي جِنَازَةٍ» وَقَدْ ذَهَبَ إلَى كَرَاهَةِ الزِّيَارَةِ لِلنِّسَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَتَمَسَّكُوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ هَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى الْجَوَازِ إذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا دُخُولُهُنَّ تَحْتَ الْإِذْنِ الْعَامِّ بِالزِّيَارَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُخَصَّصٌ بِهَذَا النَّهْيِ الْخَاصِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ اللَّعْنِ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فَمِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَامِّ وَتَأَخُّرِهِ وَمُقَارَنَتِهِ وَهُوَ الْحَقُّ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْبَعْضِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِهِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا زُرْت الْقُبُورَ؟ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» الْحَدِيثَ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، قَالَتْ: إلَيْك عَنِّي» الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا الزِّيَارَةَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ: " أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ عَمِّهَا حَمْزَةَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَتُصَلِّي وَتَبْكِي عِنْدَهُ " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اللَّعْنُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنْ الزِّيَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّيغَةُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ مَا يَقْتَضِي إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالتَّبَرُّجِ، وَمَا يَنْشَأُ مِنْ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ إذَا أَمِنَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ،